القتل بالمحدد

قال العلماء: والآلة التي باشر القتل بها إما أن تكون محددة وإما أن تكون غير محددة، والمحددة مثل السكاكين والسيوف والزجاج، وسيأتي -إن شاء الله- الكلام على الحديد المسنن والخشب المسنن، وهو الذي ضبطه المصنف رحمة الله بقوله: (أن يجرحه بما له مور) أي: نفاذ، والنفاذ يكون بقطع الجلد والجرح، ولابد من هاتين الصفتين: قطع الجلد والجرج، فإن قطع الجلد ولم يجرح فلا تكون هذه الآلة مما له مور.

وقوله: (أن يجرحه بما له مور في البدن)، هذا الذي يجرح يستوي أن يكون من الحديد وغير الحديد.

والحديد -كما ذكرنا- مثل السيوف والسكاكين والخناجر والحديد المزجج والمسنن، ومثل رءوس الرماح والأسنة، وكذلك أيضاً في زماننا المفكات التي يطعن بها أحياناً، فهي نافذة تدخل إلى جوف البدن وتجرح وتنفذ.

فهذا الجارح إما أن يكون من الحديد أو أن يكون من غير الحديد؛ كالخشب المحدد المسنن الذي يفعل كفعل الحديد الذي ينفذ في البدن، ومثل الزجاج الذي يجرح وينفذ في البدن، ومثل النحاس والرصاص والنيكل وغيرها، إذا سنن فإنه يجرح وينفذ إلى داخل البدن.

وقوله: (أن يجرحه بما له مور في البدن) هذا الذي يجرح له صورتان: الصورة الأولى: أن يجرح وينفذ في البدن ولا يخترق البدن حتى يخرج من الجهة الأخرى.

الصورةالثانية: أن ينفذ في البدن ويخرج، أي: يجرح من جهة ثم ينطلق ويخرج من الجهة الثانية.

مثال الصورة الأولى: أن يطعنه بسكين في بطنه ولا تخرج من ظهره، فهذا جارح لم ينفذ، أي: لم يخرج إلى خارج البدن.

ومثال الصورة الثانية: أن يطعنه بسيف ويخرج من ظهره، فهذا جرح دخل في البدن ونفذ.

فيستوي في الجارح هذا أن يكون نافذاً -أي: يخرج- أو أن يكون غير نافذ، وغير النافذ سواءً استقر كالرصاصة التي تدخل وتستقر في البدن، أو لم يستقر مثل أن يطعنه بسكينة ونحوها ثم يخرجها.

فهذا الذي له مور ونفاذ في البدن القتل به عمداً موجب للقصاص.

فلو طعنه بسكين أو بسيف، وفي زماننا كالطلق الناري، فإن الطلق الناري بالرصاص يدخل في البدن وينفذ، وقد يدخل في البدن ولا ينفذ، ولكنه يجرح وله مور في البدن، فسواء استقر في البدن أو خرج فهذا جارح وقاتل.

قال رحمه الله: (أن يجرحه بما له مور).

هذا الجارح الذي له مور في البدن ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: يوجب القصاص والقود وهو قتل عمد.

القسم الثاني: لا يوجب القصاص والقود وهو الذي ليس بقتل عمد، وفيه تفصيل.

والقسم الذي يوجب القصاص والقود شرطه أن تكون الآلة قوية تجرح مثلها وتنفذ، وذلك -كما ذكرنا- مثل: السكاكين والسيوف والرماح والرصاص، والقسم الثاني: أن يكون صغيراً مثل الإبرة، فلو أنها غرزت في الإنسان فإنها تجرح، ولها مور في البدن، لكن هل كل طعن بإبرة يوجب القصاص؟

صلى الله عليه وسلم هذا الجارح الصغير -كالإبرة والمسلة ونحوها- يفصل فيه، فإن كان على صورة تقتل غالباً فعمدٌ، وإن كان على صورة لا تقتل غالباً فليس بعمد.

مثال الصورة التي تقتل غالباً: أن يطعنه بالإبرة في مقتل، فيغرز الإبرة في مقتل، كجهة قلبه أو جهة جوفه، فنفذت ومات من ساعته، فإن هذا عمد يوجب القود والقصاص.

ومثال الصورة الثانية: أن يغرزها في غير مقتل ومن أمثلة الصورة الأولى -وهي أن يغرزها في مقتل-: كأن يضرب بها شيخاً كبيراً لا يتحمل، فهي وإن كان مثلها صغيراً، ولكن المضروب بها مثله لا يتحمل هذا، وكذلك المريض الساقط بمرضه -الذي بمجرد أن يضرب يموت- قالوا: إن الغالب موته بهذا الضرب، وحينئذ الآلة صغيرة، لكن وجد في الشخص وصف يقتضي صيرورة القتل عمداً؛ لأنه يعلم أن مثل هذا لا يتحمل، والشيخ الكبير لا يحتاج أن يوضع له علامة، فهو واضح الأمر أن مثله بأقل شيء يموت، فغرز مثل ذلك في شاب قوي جلد، ليس كغرزها في شيخ كبير أو مريض، أو غرزها في إنسان قوي لكن في مقتل.

إذاً: فصل العلماء رحمهم الله والأئمة في المحدد بين أن يكون جارحاً يزهق غالباً مثل السكاكين ونحوها، وبين أن يكون جارحاً لا يزهق غالباً.

ففرقوا فيه بين الشخص الذي يتحمل، والشخص الذي لا يتحمل، والمطعن غير القاتل والمطعن القاتل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015