Q إذا فاتت السنة الراتبة قبل الصلاة فهل تقضى بعد الصلاة أثابكم الله؟
صلى الله عليه وسلم يشرع قضاء الرواتب بعد الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى راتبة الظهر، وذلك بعد صلاة العصر وقالت له أم سلمة رضي الله عنها: (رأيتك تصلي ركعتين لم أرك تصليهما من قبل؟ قال: هما سنة الظهر، أتاني وفد عبد قيس فشغلوني عنهما آنفاً).
وفي هذا الحديث من الفقه والفوائد شيء كثير، منها: سؤال العالم عما خالف من حاله وهيئته، خاصة فيما يختص بأمور الشرع، فإن الغالب فيها أن يكون لها سبب وموجب.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك فعل الراتبة في وقتها لانشغاله بالدعوة، ومن هنا استدل به على جواز تأخير الرواتب إذا اشتغل طالب العلم بالدرس، أو بمحاضرة، وأراد أن يؤخر الراتبة، فهذا الحديث أصل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الراتبة لدعوة وفد عبد قيس، فلما ترك الراتبة لوفد عبد قيس دل على تقديم العلم والنفع المتعدي على النفع القاصر؛ لأن فضل العلم والدعوة أعظم من فضل العبادة.
الراتبة فضيلتها قاصرة، والعلم فضيلته متعدية، ولذلك تجد بعض الجهال يستعجلون في انتقاد الغير ويعتبون على طلاب العلم حينما لا يرونهم يصلون راتبة المغرب ويزدحمون للعلم، وهذا من جهلهم بالسنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم صح عنه تأخير الراتبة، فلا ينكر على طلاب العلم حيث إن لهم وجهاً من السنة.
وسبب هذا أن فضل العلم والدعوة متعدٍ، خلافاً للرواتب والعبادة القاصرة، فأخذ من هذا أن الفضل المتعدي مقدم على الفضل القاصر، ومنه أخذت القاعدة أيضاً: أن ما يمكن تداركه، إذا ازدحم مع الذي لا يمكن تداركه، قدم الذي لا يمكن تداركه على الذي يمكن تداركه.
ومن هنا قال بعض العلماء: إذا أراد أن يصلي راتبة الظهر وحضرت صلاة جنازة قدمت الجنازة على راتبة الظهر؛ لأن راتبة الظهر يمكن تداركها والجنازة لا يمكن تداركها، حتى قال بعض العلماء: له أن يقطع راتبه الظهر، ولكن هذا محل نظر؛ لأن الأصل يقتضي عدم إبطال النوافل؛ لأن الله يقول: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33] فهو ينوي في قرارة قلبه أنه لولا اشتغاله بالنافلة لصلى على الجنازة حتى يكتب له الأجر، لكن إذا لم يجد أحداً يصلي عليها فحينئذٍ يكون من باب ترك الأقل المستحب لما هو أوجب وآكد، وهذا إذا ضاق الوقت.
أما بالنسبة للأصل الذي ذكرناه في مسألة الرواتب، فإنه يشرع قضاء الرواتب القبلية، وكان بعض العلماء رحمهم الله يشدد ويقول: حديث أم سلمة رضي الله عنها في قضاء البعدية وليس في قضاء القبلية، ويقول: إذا فاتت القبلية فلا يقضيها، وهذا محل نظر.
وقال: إن السبب في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته راتبة الظهر وصلى بعد العصر ركعتين، وهاتان الركعتان قد صليتا بعد الظهر فصدق عليهما أنهما بعدية، لكن إذا كانتا قبلية وفاتت، فإنها تفوت بفوات القبل، وهذا من جهة النظر والعقل، لكن هذا القول مردود بالسنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضاء راتبة الفجر، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قضاها بعد وقتها.
وأجيب عن هذا الجواب بأنه قضاها مرتبة، أنه عليه الصلاة والسلام فعلها بعد للفرض، لكن رد هذا بما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في الأحاديث من قوله: (لا صلاة بعد الصبح إلا ركعتي الفجر) وفي أحد الأوجه في تفسير هذا الحديث أن المراد به قضاء راتبة الفجر عند من يقول بجواز قضائها بعد تسليم الإمام، ويستثنيها من النهي عن الصلاة بعد الصبح.
وأياً ما كان فإن حديث أم سلمة رضي الله عنها لو نوزع فيه وقيل: إنه فعلها بعدية، فإنه يقال: العبرة بفوات المكان، لأن البعدية بين الظهر والعصر، وقد فعلها عليه الصلاة والسلام بعد العصر.
ومن هنا يوجد عند العلماء شيء يسمونه الأصل، أي: تتقيد فيه بالوارد، فإذا تيسر الوارد كان لك أجر المتابعة كاملة، وإن تركت الوارد وفعلت غير الوارد وكان الأصل دالاً على غير الوارد كان لك أصل الأجر.
مثال ذلك: النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه دعا في السجود، وقال: (اللهم يا مصرف القلوب صرّف قلبي لطاعتك، اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على طاعتك) فأنت إذا دعوت بهذا الدعاء أجرت في الأصل بالدعاء في السجود، وأجرت بالمتابعة في نوعية الدعاء.
لكن لو أنك دعوت في سجودك بغير هذا الدعاء الوارد كان لك الأصل، فنحن نقول: الأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الراتبة في غير وقتها، فكون هذه الراتبة جاءت في صفتها بعدية ليس هو المراد، إنما المراد هو مشروعية القضاء.
وحينئذٍ يصلح أن يكون الحديث دليلاً على قضاء القبلية وقضاء البعدية على حد سواء، والله تعالى أعلم.