حكم جاحد وجوب الصلاة وتاركها تهاوناً

قال رحمه الله تعالى: [ومن جحد وجوبها كفر].

من جحد وجوب الصلاة كفر إجماعاً؛ لأن الله أمر بها في كتابه، وإذا قال هو: ليست بواجبة: فإنه يكفر، ودليل كفره: أنه كذّب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن كذّب الله ورسوله فقد كفر، فالله عز وجل يقول: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:43]، وهو يقول: لا تقيموا الصلاة، وليست بواجبة.

لأن قول الله: (أقيموا) أمرٌ تضمن الوجوب والإلزام، وهو يكذّب الله فيقول: ليست بواجبة -والعياذ بالله-، ولذلك قال العلماء: من استحل ما حرم الله في كتابه وعلم بتحريمه سبحانه لذلك فإنه يكفر، فلو قال: الزنا حلال لا شيء فيه، أو: شُرْبُ الخمر حلال لا شيء فيه -والعياذ بالله- كفر؛ لأنه يستحل ما حرم الله، ويكون مكذّباً لله عز وجل بالاستحلال.

وكذلك رد الواجبات، بشرط أن يكون على علمٍ بوجوبها، أي: أن تقام عليه الحجة، ومفهوم هذا الشرط أن يكون جاهلاً، فلو أن إنساناً -كما مثل العلماء- في بادية ولا يعلم بشرائع الإسلام قيل له: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فلما أسلم جاءه رجل وقال له: صلّ، قال: ليس هناك صلاة! لكونه جاهلاً لا يعلم، فهذا لا يكفّر، وهي من المسائل التي يعذر فيها بالجهل الذي يدل على عدم وجود التكذيب؛ لأن الأصل في الحكم بكفره تكذيبه لله، ولذلك قالوا: شرطه أن يكون عالماً حتى يوجد فيه السبب الموجب للكفر، وقد تكلم في هذه المسألة الإمام العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام عند كلامه على مرتكب الكبيرة عند اعتقاده لكونها كبيرة أو عدم اعتقاده لكونها كبيرة، فليرجع إليه.

قال رحمه الله تعالى: [وكذا تاركها تهاوناً].

من ترك الصلاة تهاوناً كفر، ولكن للعلماء تفصيلٌ في كفره: فمنهم من يقول: يكفر مطلقاً.

ومنهم من يقول: يكفر إذا لم يصل أبداً، بمعنىً أنه يترك الصلاة بالكلية، وهذا ظاهر النص، واختاره شيخ الإسلام رحمة الله عليه جمعاً بينه وبين حديث عبادة رضي الله عنه: (خمس صلواتٍ كتبهن الله في اليوم والليلة، فمن حفظهن وحافظ عليهن كان له عند الله عهدٌ أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)، فإن تركها كليةً كفر، وإن صلى أحياناً وترك أحياناً لا يحكم بكفره جمعاً بين النصين، ولأن قوله: (فمن تركها) أي: ترك الصلاة، أي أنه لم يصل بالكلية، وفرقٌ بين قولك: ترك الصلاة، وبين قولك: ترك صلاةً، ولذلك اختار رحمه الله هذا، ولا شك أنه يوفق بين النصوص ويجمع بينها.

قال رحمه الله تعالى: [وكذا تاركها تهاوناً، ودعاه إمامه أو نائبه فأصر].

هذا شرط عند من يقول: إن تارك الصلاة تهاوناً يكفّر.

قالوا: بشرط أن يدعوه الإمام، وظاهر النصوص ليس فيها هذا الشرط، ولذلك اختار جمعٌ من أصحاب الإمام أحمد رحمة الله عليه عدم اشتراط دعوة الإمام، وقال الذين قالوا باشتراطها: إن ذلك أبلغ في وجود العذر حتى يحكم بكونه كافراً.

قال رحمه الله تعالى: [وضاق وقت الثانية عنها].

أي: أن يضيق وقت الثانية عن فعلها.

قال رحمه الله تعالى: [ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثاً فيهما].

أي: أننا إذا حكمنا بكونه كافراً بترك الصلاة فإنه لا ينفذ عليه حد القتل إلا إذا استتيب ثلاثاً، فجمهور العلماء: المالكية والشافعية والحنابلة على أن تارك الصلاة يُدعى إليها ثلاثاً ثم يقتل إذا أبى، وقرر شيخ الإسلام رحمه الله أنه إذا دُعي إليها ثلاثة أيام وهو يصر على تركها أنه كافرٌ بإجماع المسلمين؛ لأنه إذا قيل له: صلّ، وهو يقول: لا أصلي.

ثلاثة أيامٍ، فإنه في هذه الحالة لا يحكم بكونه مسلماً، وقال: إنه في حكم من جحد، ويحكي الإجماع على ذلك في غير ما موضع من المجموع.

فبعض العلماء على أنه يستتاب ثلاثاً، وهذا مبني على مسألة استتابة المرتد، واستتابة المرتد فيها قولان للعلماء رحمة الله عليهم: فمنهم من يوجب الاستتابة لأثر عمر رضي الله عنه، ولا مخالف له، وقد أمرنا بالأخذ بسنن الخلفاء الراشدين، وأثر عمر: هو (أن أبا موسى رضي الله عنه قدم عليه فقال له عمر: هل من مغربة خبر؟ -أي: هل هناك خبرٌ غريب- قال: نعم يا أمير المؤمنين! رجلٌ ترك دين الإسلام ورجع إلى النصرانية أو اليهودية، فتهود أو تنصر فقتلناه، فقال عمر رضي الله عنه: هلا أطعمتموه وسقيتموه ثلاثاً؟!! اللهم إني أبرأ إليك لم أشهد ولم آمر، اللهم إني أبرأ إليك لم أشهد ولم آمر)، فبرئ رضي الله عنه من فعلهم، قالوا: ولا يبرأ إلا بضياع واجب أو ارتكاب محرم.

فقوله: (هلا أطعمتموه وسقيتموه ثلاثاً) دل عند من يقول بوجوب الاستتابة ثلاثاً على وجوبها.

والذين يقولون بعدم الوجوب استدلوا بما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن امرأة وجدت مقتولةً ليلاً، فقال صلى الله عليه وسلم: أحرّج على رجل يعلم من خبر هذه إلا أخبرنا، فقام زوجها وهو أعمى وقال: يا رسول الله! إنها كانت تسبك وتشتمك وتسمعني فيك ما أكره، فما هو إلا أن عديت عليها البارحة بمعولي فقتلتها، فقال صلى الله عليه وسلم: ألا اشهدوا أن دمها هدر) قالوا: هذا يدل على عدم وجوب الاستتابة، فإن الرجل قتلها مباشرة دون أن يستتيبها.

واستدلوا بحديث ابن عباس الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدل دينه فاقتلوه)، فأمر بالقتل بوجود الشرط وهو تبديل الدين، فدل على عدم وجود وصفٍ زائد وهو الاستتابة.

وبعض العلماء -وهو رواية عن الإمام أحمد - يجمع بين القولين فيقول: إن الكفر والارتداد يكون على أحوال: فتارة يحكم فيها بالكفر مطلقاً ويتفق فيها دلالة الظاهر والباطن كمن يستهزئ بالإسلام والدين، فهذا كفره لا شبهة فيه، بخلاف من يكون كفره دون ذلك أو ارتداده دون ذلك لشبهة أو نحوها فإنه يستتاب حتى يعذر إليه، وهذا جمعٌ لطيف لا شك أن فيه جمعاً بين الأخبار والنصوص، وسنفصل هذه المسألة أكثر إن شاء الله في باب الردة وأحكامها.

وعند الإمام أبي حنيفة رحمة الله عليه وأصحابه أن من ترك الصلاة يسجن إلى أن يموت أو يصلي.

والجمهور على أنه يستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015