Q يعمل عندي عامل ولم يقم بالعمل على الوجه المطلوب، فخصمت عليه من الأجرة ثم أعطيته المتبقي، فلم يقبل فما العمل، أثابكم الله؟
صلى الله عليه وسلم هذه قضية فيها طرفان وخصمان فلا يحكم لشخص على آخر، ولا يحكم بين خصمين بقول أحدهم؛ لكن ننبه على الأصل، وهذا أمر ينبغي أن ينتبه له في فقه الفتوى، قد يأتيك من يسألك فتحكم له على الطرف الثاني وأنت لم تسمع منه؛ ولذلك عتب الله على داود من فوق سبع سماوات حينما قال: {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص:22 - 23]، لما قال الخصم دعواه، قال داود: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} [ص:24]، كان المفروض أن ينتظر حتى يتكلم الخصم الثاني، وهذا تعليم من الله عز وجل لنبيه عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
ومن هنا أخذ العلماء الأصل الشرعي؛ أنه لا يجوز في القضاء أن يحكم على خصم دون أن يسمع من خصمه، لابد أن يسمع من الطرفين، ومن هنا كانت الحكمة المأثورة عن علي رضي الله عنه وتحكى عن غيره: (إذا جاءك الخصم وقد فقئت عينه فلا تحكم له، فلعل خصمه فقئت عيناه)، يعني: إذا جاءك يشتكي من مظلمة فقد يكون صاحبه عنده عشرات المظالم يقول: ضربني فلان، وتجد أنه قد ضربه أضعاف الذي ضربه، أو تجده فعل فعلاً يستحق به الضرب؛ فإذاً لا يحكم بين طرفين ما لم يسمع منهما.
هذا عامل وهو خصمك أمام الله جل وعلا، هو أجير استأجرته؛ والأصل أنك لست من يقدر عمله، الخطأ الذي أخطأته أنك قدرت عمله وخصمت عليه، وهذا ليس من حق أحد كائناً من كان أنه يخصم من العامل شيئاً بل ينبغي أن يقدر عمله الذي قام به، ويعاقب على خطئه، فالعمل الذي قام به لست أنت الذي تقدره، وليس من حقك أن تقدره، وإنما تنظر إلى اثنين من أهل الخبرة يأتون وينظرون إلى عمله الذي قام به ويقدرونه، فإن قدروه بالأجرة التي دفعتها، فما ظلمته، وإن قالوا: إن أجرته ستة آلاف ريال وأنت أعطيته أقل منها فقد ظلمته، ومن حقه أن يمتنع؛ لأنك لم تعطه حقه، فنحن لا نستطيع أن نقول: هو المخطئ أو أنت، إنما نقول: الأصل الشرعي يقتضي أنك لا تقدر العمل، وإذا امتنع لا تترك الأمر هملاً، وهذا أمر ننبه عليه، أنت الآن تتحمل مسئولية أمام الله عز وجل عن هذه المظلمة وعن منع الأجير أجرته.
الواجب على الشخص إذا حدثت بينه وبين العامل خصومة ألا يتركه حتى يفصلها بالوجه الشرعي، ويقول له: ما أدعك، إما أنك محق فأعطيك حقك، وإما أن أكون محقاً فاعرف ما الذي أريده، أما أن تترك الأمر هكذا، وتترك الرجل يذهب، فليس من حقك هذا، وقد قصرت في الجانبين: الجانب الأول: أنك قدرت عمله وليس من حقك أن تقدره، هذا مرده إلى أهل الخبرة.
وثانياً: أنك تركته يذهب، المفروض أن تذهب به إلى أهل الخبرة، أو كانت المسألة مشكلة عندك تذهب إلى من تثق بعلمه أو إلى القاضي تقاضيه، أو تنظر من عنده معرفة يفصل بينك وبينه؛ أما أن تعطيه باجتهادك ورأيك، ثم إذا امتنعت يذهب هكذا، فلا فإنه هو خصمك في هذه الأجرة.
والذي أوصيك به: أن ترى أناساً من أهل الخبرة يقدرون عمله، ثم إذا كان المبلغ الذي أعطيته دون الذي يستحقه تبحث عنه وتعطيه حقه كاملاً، هذا الذي أوصيك به، فإن عجزت عن معرفته والوصول إليه وتعذر عليك ذلك، تصدقت بهذا الثمن على نيته؛ حتى إذا وافيت الله عز وجل وسألك عن حقه؛ أخذ من حسناتك مما تصدقت به فكفيت مظلمته، والله تعالى أعلم.