قال رحمه الله: [مع فقر من تجب له] أي: يشترط في وجوب النفقة على القريب لقريبه أن يكون القريب محتاجاً؛ فتوجد فيه الحاجة والفاقة والفقر، وقريبك الذي تنفق عليه كالأخ والأخت مثلاً، إذا وجب عليك أن تنفق عليهما لابد وأن يكونا فقيرين، ومع الفقر يكون العجز عن التكسب؛ فقد يكون فقيراً ولكنه قادر على أن يتكسب، فحينئذ يفصل العلماء رحمهم الله.
أما الفقر فلابد وأن يكون فقيراً؛ لأنه لو كان غنياً فقد أوجب الله عليه أن ينفق على نفسه، وأما إذا كان فقيراً وليس عنده مال فحينئذ يجب عليك أن تنفق عليه بالمعروف.
وهذا الشرط مجمع عليه بين العلماء رحمهم الله، فلا نوجب عليك النفقة لقريبك إلا إذا كان فقيراً، لكن يستثنى من ذلك الوالدان والأولاد.
فالوالد ينفق على ولده ولو كان غنياً ما دام أنه تحت كفالته، كزوجته يجب عليه أن ينفق عليها ولو كانت غنية؛ لأن الاستحقاق هنا في الأصول والفروع آكد وأوجب، ولذلك ينفق الأصل على والديه وعلى فرعه، كالوالد ينفق على أولاده ولو كانوا أغنياء.
مثال لغنى الفرع: أن تموت الأم وتخلف مالاً لولدها، والولد قاصر عمره سنة أو سنتان، عنده مال لكن في الأصل المخاطب بالنفقة عليه هو والده حتى يستقل بنفسه، فحينئذ لا يشترط في الولد الفقر، فينفق على الأصل والفرع سواء كان غنياً أو فقيراً.
والزوجة تكون غنية ولكن يجب على زوجها أن ينفق عليها؛ لأن هذا الاستحقاق لا يتوقف على وجود الفاقة، وإنما هو مبني على وجود العلقة والقرابة.
ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم الفرع بمنزلة الإنسان، كما في الصحيحين من حديث فاطمة رضي الله عنها، في قوله عليه الصلاة والسلام: (إنما فاطمة بضعة مني) فالمقصود أننا لا نوجب النفقة عليك لقريبك كالأخ والأخت إلا إذا كان فقيراً ومحتاجاً عاجزاً عن الكسب، أما لو كان غنياً عنده قوت يومه فلا؛ لأننا نتكلم عن نفقة كل يوم بحسبها، فلو أن الأخ أو الأخت لم يجد طعامه وقوته في يومٍ، فحينئذ ننظر إن كان عنده مال؛ فإنه ليس بفقير، فلا يجب عليك أن تنفق عليه، لكن لو لم يكن عنده مال، ولا يستطيع أن ينفق على نفسه، فإنه يجب عليك أن تنفق عليه، إلا أن بعض العلماء قال: ينظر في قدرته على التكسب، فإن كان قادراً على التكسب سقط عنك إيجاب النفقة، ويجب عليه أن يقول له: اطلب العيش بالتكسب، لأن نفقتك عليه إعانة له على البطالة وترك السعي.
ومن هنا لا يجب عليك أن تنفق عليه متى كان قادراً على التكسب، وبالتكسب يتحصل على رزقه.
لكن لو ضاق الكسب والعيش، فقال بعض العلماء: في هذه الحالة يجب على القريب أن ينفق عليه، ولو كان قادراً على التكسب، ما دام أنه لا يجد مجالاً للتكسب، فالقدرة على التكسب هنا وجودها وعدمها على حدٍ سواء.
إذاً لابد وأن يكون فقيراً عاجزاً عن التكسب؛ يكون فقيراً بالنسبة لصفة الحال، والعجز عن التكسب يكون بصغر السن كما هو الحال في الأولاد ونحوهم، أو يموت ويترك أيتاماً أخوه يتيم قاصر فينفق عليه لأنه عاجز عن التكسب، وكذلك أيضاً يكون العجز عن التكسب لسبب الكبر والشيخوخة، كأن يكون له أخ مسن أو أخت مسنة عاجزة وليس لها من يعول، وكذلك يكون العجز عن التكسب للمرض والزمانة، كالشلل -أعاذنا الله وإياكم من الأمراض- والعمى فلا يقوى على العمل لوجود هذه الآفات، فعلى كل حال إذا كان فقيراً عاجزاً عن الكسب ثبت استحقاقه للنفقة.
قال رحمه الله: [وعجزه عن تكسب].
هذا الشرط الثاني: أن يكون فقيراً عاجزاً عن التكسب، وهو في الحقيقة شرط يتضمن شرطين، لكنهم جعلوه بمثابة الشرط الواحد بسبب تعلقهما بجهة واحدة، يعني: يشترط في القريب أن يكون فقيراً عاجزاً عن التكسب، ومفهوم الشرط: أنه لو كان غنياً لا يجب عليك أن تنفق عليه، إلا من استثنينا، ولو كان قادراً على التكسب لا يجب عليك أن تنفق عليه، إلا إذا كان الزمان لا يتيسر له فيه سبل العيش؛ فوجود القدرة على التكسب وعدمها على حد سواء.