حكم تكليف الأب ابنه فوق طاقته من النفقة

Q أنا أنفق على والدي وزوجتي، ومصدر دخلي قد لا يكفي، وأحياناً بل غالباً يأمرني والدي بأن أستدين من الناس.

فهل أطيعه في هذا الأمر؟

صلى الله عليه وسلم باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فالنفقة على الوالد سداد لحاجته، وقيام بما يكفيه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (خذي من ماله ما يكفيك).

فجعل الأمر موقوفاً على الكفاية، وما زاد عن الكفاية فهو فضل وليس بفرض.

فلو كان الوالد يحتاج مائة، فأعطاه ما زاد عن المائة فهو فضل من الولد على والده ليس بواجب عليه وليس بلازم، فإذا فعله فهو مأجور، والله يخلف عليه، وإذا لم يفعل واقتصر على قدر الكفاية؛ فقد أدى ما أوجب الله عليه.

لكن إذاكان عند الابن قدرة ويساراً، فهنا اختلف العلماء: هل يأثم أو لا يأثم؟ مثلاً: الوالد طلب منه ألف ريال فوق النفقة، والابن عنده قدرة، فهل هذا المستحب يصير واجباً بأمر الوالد؟ بعض العلماء يقول: إذا امتنع مع قدرته على ذلك كان من العقوق، وهذا من جانب آخر لا من جانب الاستحقاق بالنفقة، ولا شك أن الابن لا يكلف فوق طاقته، حتى غير الابن فأي إنسان ينفق لا يكلف فوق طاقته، ولذلك قال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7] وذلك حينما بين أحكام النفقات في سورة الطلاق، فبين سبحانه وتعالى أنه لايكلف إلا على قدر ما في وسع الإنسان من النفقة، وبناءً على هذا لا يكلف الابن فوق طاقته وفوق كفاية الوالد إذا كان ذلك يجحف به ويضر.

أما إذا أمكن الابن أن يتفضل ويتجاسر -شريطة ألا يكون هناك من الوالد الإنفاق على المحرمات أو إسراف- فلا شك أنه لا يزال له من الله عون ومدد، وسيخلف الله عليه إن عاجلاً أو آجلاً.

لو أن الوالد صادفته ضائقة في دين، وطلب من الابن أن يستدين من الناس، فنظر إلى مصاريف والده فوجدها مصاريف معقولة، وأنها في حاجة الوالد، ونفقة إخوانه وأخواته، فاحتسب عند الله عز وجل أن يفرج كرب والده، فوالله لن يخيب، وسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً.

فأعظم طاعة بعد الإيمان بالله وتوحيده بر الوالدين، فلذلك قرنه الله ببره فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14] ألا ترى والداً ينفق على الإخوان والأخوات، وقد يستدين من أجل الإنفاق عليهم، فإذا نظرته ينفق نفقة معقولة، أو ممكن أن يسدد ديونه التي ترتبت على النفقة بالمعروف؛ فتقف معه، وتستعين بالله عز وجل فتؤدي عنه، والله لن تخيب إن فعلت، فهذا فضل عليك وليس بفرض، والله عز وجل يجزي المحسن على الإحسان، فما بالك إذا كان الإحسان على أحق الناس، وأولاهم بالإحسان؟! وأنت حينما تعطي الوالد؛ إيماناً بالله واحتساباً للأجر عند الله، فما الذي تنتظره عند ربك الذي لا يخلف الميعاد، وقال لك: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة:83]! والإحسان أعلى مراتب العبادة.

فاختار للعبد في بره لوالديه أجمل وأكمل المراتب، حتى إنه قال: {ِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود:7]، ما قال: أكثر عملاً، والإحسان- كما هو معلوم-: أن تعبد الله كأنك تراه، وهو أعلى مقامات العبودية، فاختار الله هذا المصطلح الكريم الجليل العظيم في التعبير عن حق الوالدين؛ أي: أحسنوا في حق الوالدين إحساناً.

فلا شك أنه إذا احتسب الولد وأنفق على والده أن الله سبحانه وتعالى لا يخيبه، لكن إذا كان الأمر يجحف بالابن ويضر به، ولربما يعرض حياته للضرر؛ فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فليس للوالد على ولده إلا قدر الكفاية.

والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015