قال رحمه الله: [فإن غاب ولم يدع لها نفقة وتعذر أخذها من ماله واستدانتها عليه فلها الفسخ بإذن حاكم] بين رحمه الله صورة من صور الإعسار الحكمي، فإنه قد يعسر حقيقة، وقد يكون الحال والصورة صورة الإعسار، مثل أن يسافر عنها، أو يذهب إلى عمل في ضاحية في المدينة، أو يخرج من البيت ويتركها، فيغيب عنها ولا يترك لها أي نفقة، ولا تستطيع أن تستدين من أحد على حسابه إن جاء.
في هذه الحالة صار إعساراً في حكم امتناعه هو؛ لأن الأصل يقتضي أنه لا يغيب حتى يترك لأهله وولده قدر كفايتهم، والله أمره أن يتقيه سبحانه فيمن يعول، فإذا خرج وسافر وهو لا يبالي بزوجته، ولا يعطيها حقوق نفقتها في الطعام، والكسوة، والسكن، ولم يترك لها ولأولادها ما يكفيهم، فحينئذٍ فصل بعض العلماء واختاره المصنف، أنه يقال لها: هل بإمكانك أن تستديني من أحد حتى إذا حضر الزوج يطالب برد هذا الدين وقضائه عنك؟ إن قالت: نعم، لزمها أن تستدين، وليس من حقها أن تطالب بالفسخ؛ لأن الأصل بقاء العقد، والأصل بقاء العصمة، والزوج قد تأتيه ظروف لا يتمكن معها من إرسال النفقة.
فإذا أمكن أن تستدين فإنه لا يبقى إلا هذا الخيار، وأما إذا تعذر عليها بأن يكون زوجها غريباً، أو أهلها فقراء وليس عندهم مال، أو لا تعرف أحداً يدينها، أو الناس الذين تعرفهم فيهم شح وبخل فلا تتمكن من الاستدانة، فلا الزوج ترك لها النفقة، ولم تتمكن من الاستدانة، وليس عندها مال تنفق، ففي هذه الحالة يثبت الخيار لها في قول طائفة كما اختاره المصنف رحمه الله؛ لأن هذا في الضرر كالإعسار في النفقة؛ لأنها تعرضت لنفس الحالة التي تعرضت لها في حال وجوده.
قالوا: فلا فرق، فكما أن الزوج لو كان حاضراً وحصل لها ما حصل من الضرر، فإن من حقها أن تطلب الفسخ، فكذلك لو غاب، وهو الذي فرط، وهو الذي ضيع حقه؛ لأنه كان المنبغي أن يحتاط بترك حقها وحق أولادها ونفقتها ونفقة من يعول، فلما ترك ذلك لزمه حكم الشرع بالفسخ، هذا بالنسبة لحالة غيابه دون أن يترك نفقة ودون أن تتمكن المرأة من الأخذ على سبيل الدين، سواء من مالها أو من قرابتها أو ممن تعرف.