بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [كتاب الصلاة].
قوله: (كتاب) مراد العلماء رحمهم الله بكلمة (كتاب) التعبير بها للدلالة على عِظم المبحث وسعة مسائله، ولذلك يقسمونه إلى فصول، ويقسمون الفصول إلى مباحث ومسائل، وكل مذهب بحسبه.
والصلاة في اللغة تستعمل بمعانٍ، أولها: الدعاء، ومنه قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:103] فقوله: (صلّ عليهم) أي: ادع لهم، ومنه قول الشاعر: تقول بنتي وقد قربت مرتحلاً يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا عليك مثل الذي صليت فاغتمضي عيناً فإن لجنب المرء مضطجعا ومعنى البيت: أن هذا الشاعر لما أراد أن يسافر قالت بنته: يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا فقال رداً عليها: عليكِ مثل الذي صليت فاغتمضي عيناً فقوله: (عليك مثل الذي صليت) أي: لك مثل ما دعوت لي من السلامة والعافية من البلاء.
ومن معاني الصلاة: البركة، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: (اللهم صل على آل أبي أوفى)، أي: بارك لهم فيما رزقتهم.
وتطلق الصلاة بمعنى: الرحمة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب:56] أي: إن صلاة الله على نبيه رحمته، ومنه قول الشاعر: صلى المليك على امرئٍ ودعته وأتم نعمته عليه وزادها فهذه معاني الصلاة في اللغة.
أما في اصطلاح العلماء فإنهم إذا قالوا: (الصلاة) فمرادهم بها أنها عبادةٌ مخصوصة مشتملة على أقوال وأفعال مفتتحةٌ بالتكبير ومختتمة بالتسليم، فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث علي: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم) أي: الصلاة.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير) هي التكبيرة الأولى، ولذلك قالوا: إن التكبيرة الأولى تسمى تكبيرة الإحرام؛ لأن المكلف بهذه التكبيرة يدخل في حرمات الصلاة، فلا يتكلم ولا يعبث ولا يفعل أي فعلٍ يعارض الصلاة أو يخالف مقصودها، ولذلك قالوا: مفتتحةٌ بالتكبير.
وقالوا: (ومختتمة بالتسليم)؛ لأنه إذا أنهى صلاته خرج بالسلام، أي أن خاتمتها تكون بالسلام، ولذلك اعتبر من أركانها.
وأما كونها (عبادةً مخصوصة) فقد أجمع العلماء على وصفها بكونها عبادة مشتملة على أقوال وأفعال؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هو التسبيح وذكر الله وقراءة القرآن) كما في صحيح مسلم.
فهذا التعريف الاصطلاحي نفهم منه أن الصلاة عند العلماء -أعني الفقهاء- لها معنىً مخصوص، وأن معناها في اللغة أعم من معناها في الاصطلاح، والسبب الذي جعل العلماء يجعلون تعريفاً لغوياً وتعريفاً شرعياً أن الحقائق الشرعية ربما أطلقت بمعنىً أخص من إطلاقها اللغوي، ولذلك تجد معنى الصلاة في اللغة أعمّ من معناها في الاصطلاح، ولذلك يعتنون بذكر التعاريف الاصطلاحية؛ لهذه الحقائق الشرعية المخصوصة.