قال رحمه الله: [وللنوم فراش ولحاف وإزار ومخدة].
هذا بالنسبة لأثاث الزوجة، فهناك طعامها ولباسها وأثاثها، فلها أثاث بالمعروف، وإذا تزوج امرأة فالواجب أن يؤثث بيته بما يتفق مع حاله هو، ويكون هذا الأثاث بما ترتفق به في منامها فقال رحمه الله: [وللنوم فراش].
أي: فراش يكون فراش النوم بحاله هو، غِنىً وفقراً وما بينهما، فإذا كان غنياً يأتي بفراش الغني، وإذا كان فقيراً يأت بفراش الفقير، ولا بد من وجود الفراش.
[ولحافٌ] أي: لحاف الفراش لا بد منه.
[وإزار] أي: وإزار تأتزر به، [ومخدة]: والعرف في ذلك محتكم إليه، وفي القديم كانت هذه الأشياء بالبركة، وكان الناس في عافية من الفتن التي صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كشف الله له عما يكون من الفتن، فأخبر عن عظيم ما يكون في الأمة، فالرجل في القديم لا يجد إلا القليل معه، ومع ذلك تجد المرأة سامعة مطيعة في بيتها تكتفي بالقليل، وهذا القليل خرجت منه من الذرية ومن الأمة من نفع وقاد الأمة علماً وعملاً، وصلاحاً وتقوى، مما يدل على أن المظاهر ليست هي كل شيء، فهذه الأمة قادت العالم من المحيط إلى المحيط، وكانت على أقل ما يكون الحال من اليسر والرضا والقناعة، وما كانت أمورها تسير إلا بالرضا عن الله جل وعلا، وهؤلاء أئمة الإسلام يذكرون ما كان عليه بيوت المسلمين.
وأما اليوم فكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: تجده شبعان ريّان جالساً على أريكته قلّ أن يذكر الله جل جلاله، نسأل الله السلامة والعافية، ولربما تجده شبعان ريان جالساً على أريكته يستهزئ بالإسلام وبأهل الإسلام وبأهل الاستقامة، فشاه وجهه وخرس لسانه، لا يحمد النعمة ولا يعرف ما هو فيه من الخير الذي أعطاه الله عز وجل؛ لأن الله نزع البركة منه، وكل هذا بسبب عدم الشكر.
وعلى كل حال: فهذه أمور ذكرها العلماء على أساس أقل ما يجزئ، وفي زماننا أثاث البيت يكون بما هو مناسب للعرف، فهناك غرف للنوم تكون للغني وتكون للفقير وتكون للمتوسط، فإن كان حاله حال غنى جعل أثاث بيته أثاث الغني، ويتقي الله عز وجل في زوجته؛ لأنها تزوجت كما زوجت أخواتها وقريباتها، وهذا يضرها إذا كان أثاث بيتها على النقص مع قدرة زوجها على أن ينفق عليها نفقة الأغنياء، وهكذا بالنسبة لما يكون به هذا الأثاث من الفراش.
وأما الشيء الزائد عن الأصول مما فيه بذخ وفيه إسراف، مثل السيارات التي تشترى، والألوف التي توضع في المظاهر الشكلية التي لا قيمة لها ولا نفع لها، فهذه ساقطة أي: ليست محسوبة، وليس بملزم بعرف يعارض الشرع، وهذه الأشياء ليس فيها فائدة، فعندما يشتري عربية وفيها ثلاثة أو أربعة صحون توضع فقط عند الباب، ماذا تفيد غير المظهر والشكل؟! فتنفق أربعة آلاف أو خمسة آلاف تغني ما لا يقل عن خمسين أو مائة بيت من ضعفاء المسلمين وفقرائهم، كلها تذهب في هذا الشيء الذي لا معنى فيه، نحن ما نقول بالعرف إلا بأمور: أولاً: أن يكون هذا العرف غير معارض للشرع، فلو قال قائل: هذا جرى به العرف، نقول: نعم، لكن شرط الاحتكام إلى العرف في مثل قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228]، في الأمر بالنفقة بالمعروف، وأمره عليه الصلاة والسلام بالمعروف شرطه أن لا يتضمن مخالفة شرعية، فلما يشتري شيئاً بالمائة والمائتين والثلاثمائة والأربعمائة والخمسمائة على أنه صورة وزينة في البيت لا ينفع ولا يفيد فإنه إسراف، والإسراف مخالف للشرع، فحينئذٍ لا يعتبر عرفاً مؤثراً، ولذلك يقولون: إن العادة لا تكون محتكماً إليها إلا إذا وافقت الشرع أو كانت على المباحات، أي: الأشياء المباحة التي لا تضاد الشرع، قالوا: وليس بالمفيد جري العيد لخلف أمر المبدئ المعيد (فليس بالمفيد جري العيد) يعني: جريان العادة (لخلف أمر المبدئ المعيد) يعني: بخلاف الشرع، ومن هنا قالوا: لو جرى العرف بالمخالفة للشرع من إسبال ثوبٍ، أو جرى العرف بزينة للنساء تكون للرجال أو نحو ذلك من المحرمات، لا يكون عرفاً مؤثراً، فإذاً: الشرط ألا يعارض الشرع.
ثانياً: أن يكون هذا العرف مطرداً، فلا يكون لبعض الناس دون بعض، فإذاً نلزمه بفراش وأثاث البيت على حاله من الغنى والفقر فيما يكون في حدود الشرع، دون أن يكون مرتكباً لمحظورٍ ومنتهكاً لحدٍ أو حرمةٍ من حرمات الله عز وجل.
قال رحمه الله: [وللجلوس حصير جيد وزلي].
فراش البيت في القديم كان الحصير، والحصير كان من سعف النخل، وأيضاً يكون من الجريد، وفي بعض الأحيان تكون الخيوط مع السعف، هذا ما كان في الأعراف في القديم، وكانت هذه الأشياء يصنعها المسلمون وينتفع بها المسلمون ويبيعها المسلمون ويشتريها المسلمون، فأموالهم تؤخذ منهم وتدفع إليهم، وكان أعداء الإسلام يشترون من المسلمين، وما كان المسلمون بحاجة إليهم، ولذلك لما كان المسلمون هم الذين يسدون حاجاتهم كانوا في خير ونعمة، وأموالهم كانت لهم، وقل أن تجد أحداً عاطلاً عن العمل، وقل أن تجد أحداً لا يجد كفايته؛ لأن الله وضع لهم البركة، فتجد الخير والبركة، حتى أن الرجل يصنع من سعف النخل فراش بيته، ويصنع سقف بيته من جريد النخل ومن جذوع النخل، ويصنع منه سفرة طعامه، ويصنع منه الكرسي الذي يجلس عليه، ويصنع منه المروحة التي يروح بها، وهذا من البركة التي وضعها الله عز وجل للمسلمين.
ولا يظن أحد أننا نتكلم عن خيالات، ونحن نتكلم بهذا لما أصبح البعض يظن أنه منقصة وهو كمال، ويظن أن هذا مذمة وهو شرف وليس بعيب أبداً، هذه الأمة التي كانت في أوج عزها وعظمتها هكذا كانت، كانت بمبادئها، لكن منذُ أن لهث المسلمون وراء الأعداء أصابتهم الذلة التي لا يمكن أن ينزعها الله عنهم إلا إذا رجعوا إلى دينهم ورجعوا إلى ما كانوا عليه، فيضع الله لهم البركة في عمرهم كله.
فالنفقة والكسوة والحصير والفراش يرجع فيه إلى العرف، فإذا كان العرف سائداً وجارياً بالغنى، أن يفرشها من الفراش الجيد فنقول له: يجب عليه جيد الفراش، وإذا كان هناك ما يسمى بالموكيت أو الفراش المفصل فنقول: أفرشها منه، ولكن إذا كان غنياً فمن الأجود، وإن كان فقيراً فمن الأقل، ويقاس على هذا بقية ما يكون من لوازم البيت وأثاثه.
قال رحمه الله: [وللفقيرة تحت الفقير من أدنى خبز البلد].
كذلك مثلما تقدم، ذاك في أعلاه وهذا في أدناه، قال تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق:3]، فلا يطالب بأن ينفق نفقة الغني وهو فقير، والمصنف رحمةُ الله عليه نظر إلى أن المرأة لها حق أن تقدر النفقة بحالها، ونحن بينا أن المرأة لا يلتفت إليها وإنما يلتفت إلى الرجل والعبرة بحال الرجل، وبناءً على ذلك: إن كان غنياً أنفق نفقة الأغنياء من مثله وإن كان فقيراً فعكس ذلك.
قال رحمه الله: [وأدم يلائمها].
كما تقدم.
قال رحمه الله: [وما يلبس مثلها ويجلس عليه].
(ما يجلس عليه) الذي هو الأثاث الذي تقدم في الحصير.
قال رحمه الله: [وللمتوسطة مع المتوسط].
ينظر إلى الاثنين، إذا كان متوسطاً أو كان غنياً أو فقيراً، ولذلك ذكر الموسرة تحت الموسر، وللفقيرة مع الفقير، وللمتوسطة مع المتوسط، أما إذا كان كما ذكرنا أن العبرة بحال الرجل، فحينئذٍ ينظر إلى حاله غنى وفقراً ثم إذا كان وسطاً فتقدر نفقته بنفقة الوسط.
قال رحمه الله: [وللمتوسطة والغنية مع الفقير، وعكسها، ما بين ذلك عرفا].
هنا خالف الحنابلة رحمهم الله ما ذكرناه راجحاً من مذهب الشافعية، فقالوا: إنه ينظر للغني مع الفقير، والفقيرة مع الغني إلى الوسط بين الغنى والفقر، وقلنا: الصحيح أن العبرة بحال الرجل لا بحال المرأة، فلا تأثير للمرأة في النفقة.