جريان الأحكام الشرعية الخمسة في الرضاع حسب الأحوال

Q هل الرضاع مندوب إليه في الشرع، ووردت نصوص في الترغيب فيه، أم هو على الإباحة فقط؟

صلى الله عليه وسلم باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: الرضاع الأصل فيه أنه حلال، مباح، ولا بأس به، ولا حرج، لكنه يكون واجباً إذا كان إنقاذاً لنفس، كما لو رأت امرأة رضيعاً يكاد أن يموت ويهلك، ويحتاج إلى من يرضعه، فقامت بإرضاعه، فهو واجب؛ لأن إحياء النفس واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإذا توقف على الرضاع فالرضاع واجب.

يكون مندوباً إليه إذا كان هذا الرضيع يجد مرضعة غير صالحة، مثلما ذكر أئمة السلف ودواوين العلم كأن تكون المرضعة -نسأل الله العافية- بغياً من بغايا الزنا -أعاذنا الله وإياكم- أو امرأة كافرة، أو مشركة من أهل الكتاب، يهودية، أو نصرانية، أو كانت وثنية، فلا يوجد إلا المسلمة، مثلما يقع الآن لبعض الجاليات في الخارج، وفي هذه الحال تكون هناك مرأة مسلمة فيها لبن، وجميع من حول هذا الرضيع كافرات، أو من المومسات البغايا، فلا شك أن ارتضاع الرضيع من غير المسلمة يضره، لذلك كان عمر رضي الله عنه يشدد في الرضاع، وينهى عن الارتضاع من الفاجرات، والكافرات، كما روى عنه ابن أبي شيبة وغيره ويشدد فيه -رضي الله عنه وأرضاه- ويقول: (إن الرضاع يعدي)، يعني: يؤثر في الأخلاق، ولأنه إذا ارتضع من الكافرة ربما أثرت عليه في الدين، وربما أثرت عليه في العقيدة، والولد يحن إلى أمه من الرضاع في بعض الأحيان كما يحن إلى أمه من النسب، وقد يحن إلى أمه من الرضاع أكثر من أمه من النسب إذا ماتت، فإنه حنين الرضاع، لذلك تجد الولد الذي ارتضع عنده من الحنان، والعاطفة، أكثر من الولد الذي يرضع من الحليب المجفف المعلب، فإنه غالباً ليس كالذي رضاعته طبيعية فهذا تجد عنده من الحنان، والشفقة، والعاطفة ما ليس عند غيره، الآن بعض من رضع حليباً مجففاً ولم يرضع من أمه تقول له: أمك مريضة، يقول: خذوها المستشفى، ما يبالي أبداً، وهذا مشاهد وهو دليل حسي واضح.

على كل حال: الرضاع يؤثر.

ويكون واجباً إذا كان فيه إنقاذ نفس، ويكون مندوباً شديد الندب إذا خشي على الولد أن يرتضع رضاعاً يضره، خاصة إذا كان قريباً أو ذا رحم، مثلاً: امرأة ترضع ابن أختها، أو ابن أخيها، جبراً لخاطر أختها، فيكون مندوباً، وفيه فضل وصلة رحم، وفيه إدخال سرور على قريب، وإدخال السرور على القريب منه من الأجر والمثوبة أكثر من غيره.

ويكون الرضاع محرماً: إذا قصد به تحريم الحلال، مثلما يفعل البعض -نسأل الله السلامة والعافية- ترضع المرأة بنات العم، حتى لا يتزوج أولادها من بنات أخي زوجها، فتريد أن تجذب -مثلاً- بناتها أو أبناءها إلى قرابتها هي، ويفعل هذا بعض النساء، وهذا غرض سيء، وقصد سيء لتحريم ما أحل الله، ولأنه يقصد به قطع الصلة، من المحبة التي تكون بالزواج والنكاح، فإذا قُصد به محرم فهو محرم للقصد، وإذا قُصد به القيام بواجب كإحياء نفس فهو واجب، وإذا قصد به مندوب فهو مندوب.

فعلى كل حال: يختلف الحكم باختلاف الحال، لكن الأصل العام أنه مباح، والأصل العام أن الوالدة المرضعة لها أجر ومثوبة، ولذلك يكون في مقام المندوبات؛ لأن فيه مشقة وعناء، ولذلك أحل الله للمرأة المرضعة أن تفطر؛ لأنها من الذين يطيقون الصيام ويجدون فيه المشقة والكلفة والعناء، ووجود العناء قدره الشرع في هذه المرضعة، وما كان فيه عناء، ففيه أجر، وفيه مثوبة، خاصة إذا كان فيه إصلاح للنفس، وإنقاذ لها.

وذكر بعض العلماء أن المرأة إذا كانت حمقاء، أو عصبية، أو هوجاء معروفة الهوج، فلا ينصح باسترضاعها؛ لأن الرضاع يؤثر في الطباع، وهناك حكمة يقولونها: (الرضاع يؤثر في الطباع) حتى قال بعضهم: الرضاع أشد من الطباع، يعني: أن توارث الأخلاق يأتي من الرضاع أكثر مما يأتي من النسب؛ لذلك إذا خافت المرأة المرضعة أن يرتضع الطفل من امرأة عصبية، أو فيها مرض، أو فيها بلاء، وأرادت جذبه إليها، فقد أحسنت، وأجرها أعظم، فيختلف الحكم بحسب اختلاف الأحوال، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015