بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [فصل].
هذا الفصل يشتمل على جملة من المسائل والأحكام التي تتعلق بدخول عدة في عدة، ودخول النكاح في العدة، وما الحكم إذا وطئ رجل امرأة وهي في عدتها؟ وهذا الفصل مهم جداً؛ لأنه قد يحصل الخطأ فيقع الوطء بالشبهة، وقد يقع الوطء في نكاح فاسد، وللمرأة في كل حال عدتها، ومن هنا يرد
Q هل العدة الأولى تلغى ثم تستأنف وتعتد من جديد، أم أنها تنقطع عن هذا النكاح الفاسد ثم بعد ذلك تبني على العدة؟! أي: تنقطع العدة بدخول النكاح الفاسد ثم يفرق بينهما -يعني: بين الزوج والزوجة المعتدة- ثم تبني على عدتها القديمة؟ قال رحمه الله: [ومن مات زوجها الغائب أو طلقها: اعتدت منذ الفرقة وإن لم تحد] من هنا أتانا العلماء والأئمة -رحمهم الله- ببيان حكم هذه المسألة، وصدر المصنف رحمه الله هذا الفصل بمسألة أخرى مهّد بها للكلام على ما ذكرناه من المسائل، وهي مسألة: طلاق المرأة من زوجها الغائب، أو وفاة زوجها عنها، ولا تعلم بالوفاة ولا بالطلاق إلا بعد مضي المدة، فالسؤال: هل تحتسب عدة الوفاة من حصول الوفاة الحقيقية، أم أنها تحتسب عدة الوفاة منذ بلوغها الخبر، حيث تبدأ وتشرع في العدة؟ قد بيّن -رحمه الله- أن من مات عنها زوجها الغائب ولم تعلم بوفاته فإنها تعتد من حين الوفاة، فلو وقعت الوفاة في أول شهر محرم ثم مضت مدة العدة أربعة أشهر وعشراً، وعلمت بعد مضي هذه المدة، فقد خرجت من عدة الوفاة.
إذاً: كونه بلغها الخبر متأخراً، أو بلغها أثناء عدة الوفاة، كأن يمضي شهر أو شهران أو ثلاثة أشهر، سواء مضى أكثر العدة، أو نصف عدة الوفاة، أو أقل عدة الوفاة، فالحكم واحد، وتحتسب عدتها من اليوم الذي مات فيه، وفي هذه المسألة مذهبان، ومذهب جمهور العلماء رحمهم الله: أنها تبتدئ بيوم الوفاة وتعتد بيوم الوفاة، حتى ولو بلغها الخبر بعد تمام عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، فإنه يحكم بكونها قد خرجت من العدة.
المسألة الثانية المفرعة على هذا الحكم، وهي: أن يطلقها زوجها، ثم يكتمها الطلاق ولا يراجعها حتى تخرج من عدتها، أو يطلقها زوجها ثم يكتب لها الكتاب وهو في قرية أو مدينة بعيدة ولا يصل إليها الكتاب إلا بعد مضي ثلاث حيضات -على القول بأن عدة المطلقة بالحيضات، أو ثلاثة أطهار على القول بأن عدة المطلقة بالأطهار- فيحكم بخروجها من عدة الطلاق، وعلى كل حال: سواء مضت عدة الطلاق أو الوفاة كاملة، أو مضى بعضها وهو الأكثر أو الأقل أو في منتصف الوقت علمت فالحكم في جميع هذه الصور واحد، وقالوا: إن العبرة في العدة أن يحصل الاستبراء وقد حصل؛ لأنه مضت مدة بعد الطلاق ولم يجامعها فيها زوجها، وحصل الاستبراء وخلو الرحم، فمقصود الشرع من العدة موجود، وقالوا: هي معتدة محكوم بكونها في حداد وإن لم تحد حقيقة، فهناك شيء يسمونه: الحكمي والحقيقي، وقد تقدم معنا غير مرة، فهي في عدة الوفاة حكماً لا حقيقة، لأنها لم تنوِ ولم تقصد، ولكن يحكم وكأنها اعتدت عدة الوفاة، قالوا: وعذرت لعدم علمها وجهلها بوفاة زوجها، وقال بعض العلماء: إن العدة لها معنى تعبدي، وأن مقصود الشرع أن تتعبد وتتقرب إلى الله، وكنت أرجح هذا القول سابقاً وأفتي به في بعض المسائل، ولكن تبين لي رجحان مذهب الجمهور، وأن العبرة في عدة الطلاق بحين صدور الطلاق سواء بلغها الخبر بعد انتهاء العدة أو قبل انتهائها.
فائدة الخلاف: مثلاً: طلقها محمد ووقع طلاقه في أول محرم، ومضت حيضتان، وعلمت في الحيضة الثالثة، فمن حقه أن يراجعها -بلا إشكال- لأنها إذا علمت قبل الحيضة الثالثة، في هذه الحالة لو راجعها عند الجميع زوجها، وهذا في الطلقة الأولى والطلقة الرجعية، لكن الإشكال ومحل الخلاف: أنه لو طلقها، فمضت الثلاث الحيضات، ثم علمت بعد مضي الثلاث الحيضات فعلى القول الثاني المرجوح استأنفت وحل له أن يراجعها، لأنها لم تتم العدة على قول الجمهور يحكم بأنها خلو، وخرجت من عصمة زوجها، وهو القول الأول الراجح، وحينئذ لا بد وأن يعقد عليها من جديد إن بقيت له طلقات.