بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [يشترط في صحته أن يكون بين زوجين].
شرع المصنف رحمه الله في بيان الشروط التي ينبغي توافرها للحكم بصحة اللعان، وأصل اللعان أن الزوج يتهم الزوجة بالزنا -والعياذ بالله- أو ينفي الولد أو الحمل عنه، ففي كلتا الحالتين يكون هناك لعان، سواءً اتهمها بالزنا أو نفى الحمل أو نفى الولد، على تفصيل سنبينه إن شاء الله تعالى.
والأصل الشرعي يقتضي أنه إذا قذف امرأته بالزنا.
فإنه يخيّر بين أمرين: إما أن يقيم البينة على أنه صادق، وأن زوجته زانية، وحينئذ لا إشكال، فلا يقام عليه حد ولا لعان.
وإما أن يتعذر عليه إقامة البينة، فالأصل الشرعي حينئذٍ يقتضي أن يُقام عليه حد القذف؛ لأنه لما قذف هلال بن أمية رضي الله عنه امرأته بـ شريك بن سحماء رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ هلال: (البينة أو حد في ظهرك)، فخيّره بين الأمرين: البينة التي تثبت أنه صادق في اتهام زوجته بالزنا، أو الحد الذي أوجبه الله على كل مفترٍ وقاذف، فجاء اللعان ليخرج الزوج من هذا الحد إذا تعذر عليه إيجاد البينة.
فيختص اللعان بالزوج لأمور وأسباب خاصة، والأصل أن كل من قذف نطالبه بالبينة على صحة قذفه أو يقام عليه الحد، لكن مسألة اللعان تختص بالزوج والزوجة، ولذلك لو قذف الوالد ولده، أو قذف الأخ أخاه، أو قذف الصديق صديقه، فهذه الأمور لها أحكام خارجة عن اللعان.
واللعان -كما ذكر العلماء- مستثنى من الأصول، والمستثنى من الأصول هو: الذي خرج بنص عن أصل عام، فالأصل العام هنا وجوب الحد إلا أن يُثبت الزوج بالبينة صحة القذف بالزنا، فلما استثني اللعان وجاء على هذه الصورة الخاصة فينبغي علينا أن ننظر إلى الشروط الشرعية التي يثبت بها اللعان فنقول: إنه لا يثبت اللعان إلا إذا توافرت فيه الشروط تامة كاملة، وهذه الشروط هي التي يعبر عنها بالعلامات والأمارات التي ينبغي توافرها واجتماعها للحكم باللعان الشرعي، وهي الشروط التي يذكرها العلماء.
فاللعان لا يمكن أن يكون لعاناً شرعياً إلا بين الزوجين، فلو أن صديقاً قذف صديقه أو أخاً قذف أخاه، فجاء شخص وقال: يثبت اللعان بين الأخ وأخيه إذا حصل القذف قياساً على الزوج مع زوجته، فنقول: هذا قياس باطل؛ لأن القاعدة الأصولية تقول: ما خرج عن القياس فغيره لا يقاس عليه، وقول القياس، إذا قال العلماء القياس يريدون به الأصل العام، وهذا ينبغي أن ينتبه له طالب العلم فالقياس هو: الشيء الأقيس الذي جرى على النصوص المحفوظة في الباب، فالأصل هنا أن من قذف فعليه أن يقيم البينة أو يقام عليه حد القذف، فخرج اللعان عن الأصل العام وهو القياس، فغيره لا يقاس عليه مع أن صلة الأخ مع أخيه صلة قرابة ولحمة، وربما تكون أعظم من صلة الزوج مع زوجه، لكن الشريعة نظرت إلى أن الزوج يُقدم على إفساد فراشه، واتهامه لزوجه بالزنا إضاعة لمهره، وإضاعة لولده وليس هناك عاقل يتهم زوجته بالزنا كذباً، وينفي ولده منها، فالشريعة أعطت هذه الحالة المستثناة أحكاماً خاصة، ولابد من توافر الشروط الشرعية، وهي: الشرط الأول: أن يكون اللعان بين الزوجين، فليس هناك لعان شرعي بين سيد وأمة وبين أخ وأخيه، ونحو ذلك، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ} [النور:6] فخص هذا الحكم بين الزوج وزوجته، وهذا هو الشرط الأول.
وقوله: (ويشترط في صحته) أي: من أجل الحكم بصحته وتنفيذه، والضمير في قوله: (صحته) عائد إلى اللعان، فلا ينفذ لعان إلا إذا كان بين زوجين، سواءً كان قد عقد على المرأة ودخل بها أو لم يدخل بها، سواءً كانت في عصمته أو طلقها طلاقاً رجعياً؛ لأن المطلقة رجعياً في حكم الزوجة، وهذا اختيار طائفة من العلماء أن المطلقة رجعياً يحق لمطلقها أن يلاعنها؛ لأنه سيتضرر بنسبة الولد إليه، وسيتضرر بنسبة ما يكون من حملها إليه.