جلوس الإمام المنهي عنه بعد الصلاة

Q بالنسبة لمكث الإمام في مصلاه، هل النهي أن يجلس بعد السلام ووجهه إلى القبلة أم أن النهي عن جلوسه بعد الانصراف؟ أثابكم الله.

صلى الله عليه وسلم بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فيجلس الإمام ووجهه للقبلة قدر ما يستغفر ويقول: (اللهم أنت السلام ومنك السلام) كما ثبت في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وغيرها، ثم ينصرف.

والسبب في هذا: أنه يعطي الناس ظهره، ولا ينبغي للإنسان إذا جلس أمام الناس أن يعطيهم ظهره إلا من حاجة، فلما انتهت الحاجة وهي إمامته بالناس وصلاته رجع إلى الأصل من الإقبال على الناس بوجهه، ولذلك جاءت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينصرف إلى المصلين.

والانصراف ينبغي أن يكون كاملاً، فيقبل على الناس ويجلس حتى تكون ميمنة الصف ميسرة له، وميسرة الصف ميمنة له، وأما الانصراف الجزئي كأن يجلس ويعطي الناس شقه الأيمن؛ فهذا في حالة ما إذا صليت ببعض الناس المتأخرين، فإذا سلمت فلا تستطيع أن تكون في وجههم، فاستحب العلماء أن تجلس وتعطيهم كتفك الأيمن إذا كانوا يتمون لأنفسهم، حتى لا يظن من يرى من بعيد أنه يسجد لمن أمامه.

فمن هنا كرهوا الجلوس أمامه مباشرة؛ لأنه سيكون كالساجد له، وإنما يعطيه كتفه الأيمن، وإذا صليت بشخص معك ثم جاء أناس في الركعة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، أو في آخر الصلاة، فإذا سلمت ستجد أمامك صفاً أو بعض الصف وأنت أمامه، فاستحب العلماء رحمهم الله أنه لا يقبل عليهم إقبالاً كاملاً ولا يجلس بين القبلة.

أما مسألة الانصراف من المصلى، فيكون بعد الانتهاء من التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثاً وثلاثين، وقول تمام المائة (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، وفي رواية: (بيده الخير وهو على كل شيء قدير)، قالوا: لأنه إذا انصرف قبل هذا فستكون له مزية على الناس، ولا يجوز لأحد أن يتميز عن الناس؛ لأن منهم من هو أكبر منه، وقد يكون فيهم من هو أعلم منه وأفضل منه، وقد يكون فيهم والده.

ولذلك لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يطيل الجلوس في مصلاه إلا في موضعين: منها صلاة الفجر؛ فقد كان يجلس إلى طلوع الشمس، وبعض الأحيان يقوم قبل طلوع الشمس؛ لما ثبت في الصحيح أنهم كانوا يأتونه ويجالسونه بعد صلاة الفجر، ويتحلقون عليه حلقة حتى يخوضون في أمور الجاهلية وما كانوا فيه، فيضحكون ويتبسم، كما في صحيح مسلم وغيره.

فهذا يدل على أنه بعد صلاة الفجر يجلس في مصلاه، كأن يأتي سائل أو يأتي مستشكل ويحبسه في مصلاه، فيكون عند الضرورة والحاجة، أما في غير الضرورة والحاجة؛ كأن يريد أن يمكث في المسجد، فيقوم إلى سارية في مكان آخر، ولذلك كان العلماء والأئمة يجعلون مجلساً للفتوى ومجلساً للصلاة، فكان أحدهم إذا انتهى من الصلاة يقوم لمجلسه الذي برز فيه للناس حتى يأتون للفتوى والسؤال.

وهذا من أنسب ما يكون، وهو من فقه الإمامة وآداب الإمامة كما ذكر بعض أئمة العلم رحمهم الله.

والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015