قال رحمه الله: [فإذا مضى أربعة أشهر من يمينه ولو قناً، فإن وطأ ولو بتغييب حشفة فقد فاء، وإلا أُمر بالطلاق، فإن أبى طلق حاكم عليه واحدة أو ثلاثاً أو فسخ].
قوله: [فإذا مضى أربعة أشهر من يمينه].
بعدما بين المصنف رحمه الله الصيغ التي يتحقق بها الإيلاء، والأشخاص الذين يصح منهم الإيلاء؛ شرع في الأحكام المترتبة على الإيلاء.
فإذا قال رجل لزوجته: والله لا أطؤكِ سنة، فعند جمهور العلماء أنه يوقف بعد مضي المدة المعتبرة للإيلاء، وحينئذٍ يطلب منه القاضي ويقول له: أنت بالخيار بين أمرين: إما أن تكفر عن اليمين؛ لأنه قال: والله لا أطؤكِ سنة، أو تطلقها.
والسبب في هذا: أن المرأة -كما ذكرنا- لا تصبر أكثر من هذه المدة، ولذلك لما استشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والناس أشاروا عليه، وقيل: إن ميمونة أشارت عليه رضي الله عنها وقالت: إن المرأة تصبر عن زوجها الشهر والشهرين، وتصبر الثالث على مضض، ولكنها في الرابع في الغالب لا تستطيع أن تصبر.
فهذا يدل على الحكمة العظيمة التي من أجلها جعل الله هذه المدة.
فإذا مضت الأربعة الأشهر، وقد أقسم بالله، فاليمين تمنع، والزوجة تطالب، ولا يمكن أن نلغي اليمين؛ لأن اليمين يمين شرعي منعقد، فحينئذٍ بينت الشريعة الحكم وهو أننا نقول له: كفر عن يمينك وراجع زوجتك.
وهذا عين العدل والإنصاف؛ فإما أن يكفر عن يمينه ويراجع زوجته، ويعود إلى زوجته ويفيء، وإما أن تطلق عليه؛ لأن هذا ليس من المعروف، والله قد أمر بعشرة النساء بالمعروف.
ومن هنا إذا مضت المدة فقد بيّن المصنف رحمه الله أنه يُوقف ويطالب منه الرجوع والفيء، قال تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226 - 227]، فرتب الله في الآية على الإيلاء حكمين شرعيين: أحدهما: أن يفيء الرجل ويرجع إلى زوجته، فيقال له: كفر عن يمينك، على أصح أقوال العلماء رحمهم الله؛ لأنه يمين شرعي منعقد.
الثاني: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة:227]، فإذا قال: لا أريدها، ولا أريد أن أرجع إليها، وما حلفت هذا اليمين من فراغ؛ بل أنا أكرهها ولا أريدها، فيقول له القاضي: طلقها وإلا طلقتها عليك.
فشرع المصنف رحمه الله في تأكيد هذا فقال: (فإذا مضى أربعة أشهر من يمينه)، فإذا حلف اليمين مثلاً في أول محرم، فننتظر محرم وصفر وربيع الأول إلى انتهاء ربيع الثاني، ثم من حق المرأة أن ترافعه إلى القضاء؛ لكن لو جاءت ترافعه في محرم أو في صفر أو في ربيع الأول، أو قبل تمام ربيع الثاني، فليس هذا من حقها، إنما يكون الإيقاف وطلب الفيء أو التطليق بعد تمام المدة.
ولو أن المرأة رضيت وقالت: لقد حلف عليّ خمسة أشهر، وأنا أريد أن أصبر، فإنها تصبر ولا حرج عليها، وهذا حقها.
وبناءً على ذلك يوقف بعد تمام الأربعة الأشهر -هذا الحكم الأول- ثم يخير بين الفيء وهو الرجوع إلى زوجته وبين تطليقها.
وقوله: (ولو قناً) القن: هو العبد (ولو) هنا إشارة إلى خلاف في المذهب، والمصنف رحمه الله يختار أن الحر والعبد في الإيلاء على حد سواء، وهذا هو الصحيح؛ لعموم قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة:226].