تعليق الإيلاء على مدة تزيد على أربعة أشهر

قال رحمه الله: (أو عين مدة تزيد).

وهذه فائدة قراءة المتون الفقهية: أنها تربي في طالب العلم ملكة التركيز والتسلسل، فتعرف من الأشياء في بعض الأحيان مقابلة بعضها لبعض، فحينما يقول: والله لا وطأتك أبداً، فهذا تأبيد، وإذا عين مدة، فنفهم أنه ضد الصورة الأولى.

لكن لو قرأت الأمثلة مجردة، فإنك لا تستطيع أن تدرك الخبايا والمقاصد التي وضع العلماء من أجلها هذه الأمثلة، فهو عندما قال: (أو عين مدة)، فحينئذٍ تفهم أن (أو) هنا للمقابلة، وأن قصده أن يأتي بصورة وهو يريد أن يقابل؛ لأنه لو اقتصر على قوله: والله لا وطأتك أبداً، أو لا وطأتك الدهر، لظن ظان أن الإيلاء لا يقع إلا إذا كان مؤبداً؛ ولذلك قال رحمه الله: [أو عين مدة تزيد على الأربعة الأشهر]، فمدة الإيلاء إما أن تزيد على أربعة أشهر، أو تكون أقل من أربعة أشهر، أو تكون أربعة أشهر، فهذه ثلاثة أحوال: والله لا أطؤكِ شهراً، والله لا أطؤكِ أربعة أشهر، والله لا أطؤكِ خمسة أشهر أو سنة.

الحالة الأولى: إذا قال: والله لا أطؤك شهراً أو شهرين أو ثلاثة، فهذه أقل من مدة الإيلاء باتفاق العلماء رحمهم الله، وجماهير السلف والخلف على أنه لا يكون إيلاءً، إلا أن بعض السلف يقول: يكون إيلاءً، وهو قول شاذ، والذي نص عليه القرآن أن الإيلاء لا يقع إلا بالمدة المعتبرة وهي أكثر من أربعة أشهر.

الحالة الثانية: أن يقول: والله لا أطؤكِ خمسة أشهر، أو أربعة أشهر ويوماً، أو أربعة أشهر وأسبوعاً، فحينئذٍ ذكر مدة الإيلاء، وشبه متفق عليه عند العلماء رحمهم الله أنه إذا زاد على أربعة أشهر فإنه مولٍ.

الحالة الثالثة: أن يذكر الأربعة الأشهر بنفسها فيقول: والله لا أطؤكِ أربعة أشهرٍ، فهذه اختلف فيها العلماء رحمهم الله على قولين، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور أن الأربعة الأشهر وحدها ليست بمدة الإيلاء، وأنه لابد أن يزيد في إيلائه على الأربعة الأشهر؛ لأن الله يقول: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226 - 227].

ووجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى جعل الأحكام المترتبة بما بعد الأربعة الأشهر، ولم يجعلها دون الأربعة الأشهر على تمامها وكمالها، فدل هذا على أن الأربعة الأشهر وحدها لا تكفي ما لم يزد عليها، فلو حلف وقال: والله لا أطؤكِ أربعة أشهر؛ فإنه مباشرة بعد انتهاء الأربعة الأشهر ستنحل اليمين، فلا وجه لإيقاف القاضي له.

وهذا وجه مذهب الجمهور رحمهم الله: أنه في تمام الأربعة الأشهر لا يكون مولياً، وأنه لابد في الإيلاء من ذكر مدة أكثر من أربعة أشهر.

وعلى هذا ذكر المصنف رحمه الله أنه يُشترط في المدة المعتبرة في الإيلاء أن تكون أكثر من أربعة أشهر، فقال: (أو عين مدة تزيد على أربعة أشهر)، سواءً كان بالأشهر كأن يقول: لا أطؤكِ خمسة أشهر، أو ستة أشهر، أو عاماً أو سنة، أو سنتين أو ثلاث سنوات أو نحو ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015