[ومن ادعت مطلقته المحرمة وقد غابت نكاح من أحلها، وانقضاء عدتها منه، فله نكاحها إن صدقها وأمكن].
امرأة طلقها زوجها ثلاثاً وغابت عنه، وقوله: [غابت] يقتضي أنها لو كانت حاضرة عنده في المدينة ويعرف أحوالها وأخبارها فلا إشكال.
من المعلوم أن النكاح يشهر ولا يستر، ويعرف ولا يخبأ عادة؛ فإذا كانت موجودة ويطلع على أحوالها، ثم ادعت يوماً من الأيام بعد مرور أشهر قالت: أنا تزوجت ثم طلقني، فحينئذٍ يعرف أنها لم تتزوج ولم تطلق، ولم يحصل الأمر المعتبر شرعاً، وأنها تريد أن تحتال لرجوعها إليه، فحينئذٍ لا يجوز له أن يعمل بهذا لأنها تدعي شيئاً لمصلحتها.
لأنه من مصلحتها أن تعود لزوجها الأول، ولربما طلقت المرأة فلم ينكحها أحد؛ لأن الغالب أن النساء المطلقات يحصل شيء من امتناع الأزواج منهن فتدعي شيئاً لمصلحتها.
فإذا قالت: تزوجت ووطئت بالزواج، وحصل تحليل، وخرجت من عدتي، وكانت حاضرة ويعلم أخبارها فالظاهر أنها غير صادقة، والأصل بقاء ما كان على ما كان، أنها امرأة محرمة عليه، فلا ينبني على مثل هذا القول حكم ولا يعول عليه.
لكن لو أنه طلقها ثلاثاً، ثم سافرت إلى بلدها وغابت عنه، أو سافر هو وانقطعت أخبارها وغابت عنه، أو كانت في موضع لا يتيسر له العلم بحالها أو معرفة صدقها من كذبها.
فإنه في هذه الحالة إذا جاءت وادعت أنها نكحت، وأنه دخل بها الناكح ثم طلقها، فإن كان الزمان الذي ادعت ممكناً في مثله حصول النكاح وحصول الطلاق مع العدة، فإن له أن يعمل بقولها، ولا حرج عليه في ذلك.
إذاً: يشترط أن يكون ذلك ممكناً.
لكن لو أنه طلقها وخرجت من عدتها، وبعد أسبوع جاءت وقالت: والله تزوجت! فلا، لأنها لم تخرج من عدتها فلا يمكن؛ لأنها مازالت تابعة لزوجها الأول، لكن لو أنها خرجت من عدتها وادعت الإصابة بعد خروجها من عدتها، وجاءت بعد أسبوع فنقول: لا يمكن؛ لأنه لابد من حصول طلاق حتى تحل للزوج الأول وحصول العدة من الطلاق الصادر من الزوج الثاني.
ففي هذه الحالة لا يصح دعواها لأنه غير ممكن، لأنه لابد من وجود العدة والاستبراء، وهذا لا يتحقق في هذه المدة الوجيزة، فحينئذٍ لا يقبل قولها ولا يعول عليه.
فاشترط رحمه الله غيابها، بأن لا تكون شاهدة يمكنه أن يعرف حالها وأن يطلع على صدقها من كذبها.
ثانياً: أن يكون ما ادعته ممكناً، أما إذا كان غير ممكن فإنها لا تعطى بدعواها ما ادعت، وعليه أن يبقى على الأصل من كونها محرمة عليه.
والله تعالى أعلم.