[وهي زوجة لها وعليها حكم الزوجات، لكن لا قسم لها].
من طلق زوجته طلقة واحدة أو طلقها الطلقة الثانية، وكان طلاقه بالطلقة الأولى والثانية بعد دخوله بها كما تقدم فإن هذه المرأة تعتد، وخلال العدة تصبح امرأة رجعية من حقه أن يراجعها في أي وقت ما دام أنها لم تخرج من عدتها كما قدمنا، لكن
Q هل هذه المرأة الرجعية أجنبية، أو ما زالت في حكم الزوجة؟ وجهان للعلماء رحمهم الله: منهم من قال: إنها أجنبية، كما اختاره بعض العلماء، ومنهم الشافعية.
ومنهم من قال: إنها في حكم الزوجة، كما اختاره المصنف رحمه الله وهو مذهب الحنابلة، أي: أنها زوجة لها ما للزوجات وعليها ما على الزوجات إلا ما استثني، وبناءً على ذلك: يجوز له أن يختلي بها، وأن يلمسها، ويجوز أن يسافر بها وهو محرم لها؛ لأنها في حكم زوجاته.
كذلك يتفرع على هذه المسألة أنه لو قال لها وهي في أثناء عدتها من الطلقة الأولى: طلقتك، أو أنت طالق، فأردف الطلقة الثانية على الأولى وقع الطلاق؛ لأنها زوجته، وليست بأجنبية.
وعلى كل حال يعتبر الحكم أنها زوجة من هذا الوجه.
ويترتب على هذا أيضاً حقوق، فلو أنه توفي عنها وهي في أثناء العدة ووقعت الوفاة قبل خروجها من العدة ولو بلحظة، ولو بثانية واحدة، أو هي توفيت؛ فإنها ترثه ويرثها إجماعاً.
فلو طلقها طلقة واحدة أو طلقها الطلقة الثانية بعد الدخول، ثم اعتدت، وقبل خروجها من عدتها بلحظة توفيت ورثها، وإن توفي هو ورثته، فإذاً معنى ذلك: أنه لا زالت هناك علاقة الزوجية، فقال رحمه الله: [وهي زوجة] والدليل على ذلك، عدة أدلة: أولاً: من أقوى الأدلة أن الله عز وجل قال: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة:228] هذا الحكم، {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة:228] يعني: أزواجهن الذين طلقوهن ووقع الطلاق منهم، أحق بارتجاع هؤلاء الزوجات المطلقات، وقوله: {فِي ذَلِكَ} [البقرة:228] يعني: أثناء الثلاثة قروء، لأن صدر الآية يقول: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] فقال الله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228] يعني في مدة العدة.
ثم قال: (بُعُولَتُهُنَّ) يعني: أزواجهن، فوصف المطلق بكونه زوجاً للمطلقة، فدل على أنها ليست بأجنبية، ولو كانت أجنبية لما صح أن يقال إنه بعل لها؛ لأن البعل هو الزوج.
كذلك قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229] وجه الدلالة من هذه الآية الكريمة على أن المطلقة طلاقاً رجعياً تعتبر في حكم الزوجة: أن الله قال: (فَإمْسَاكٌ)، فلو كانت المطلقة طلاقاً رجعياً أجنبية لم يقل: (فإمساك)؛ لأن الإمساك استدامة لما قبل، فمعناه: أن النكاح لا زال باقياً، فدل على أنه يريد رد الأمر على ما كان عليه بإثبات الرجعة، فلو كانت أجنبية لما عبر بالإمساك ولعبر بلفظ ثان يقتضي الابتداء.
ولأن الإمساك يدل على الاستدامة لا على الإنشاء؛ فتقول: أمسك؛ لأن الشيء في يدك، ولا تقول: أمسك لشيء ليس بيدك، فدل على أن قوله: (فإمساك بمعروف) أي: أنه لا زال بيده شيء، والله عز وجل يكني، فكنى عن كون النكاح لعصمة النساء وفي يد الرجل فقال: {فَإمْسَاكٌ} [البقرة:229] فدل على أن المطلقة لا زالت تحت سلطان زوجها، وأنها في عصمته.
وبمعنى آية البقرة: {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة:229] آية سورة الطلاق في قوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:2] فدل على أن النكاح لا زال مستمراً، وأن المطلقة طلاقاً رجعياً لا تزال في حكم الزوجة، وبناءً على ذلك ترثه ويرثها.
ومما يدل على أنها في حكم الزوجة أمر الله بالنفقة على المطلقات: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6] فألزم المطلق فقال: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق:1] فأمر أن تبقى المطلقة طلاقاً رجعياً في بيت الزوجية، وهذا يدل على أنها لا زالت زوجته؛ ولأن هذا حق من حقوق النفقة، والنفقة لا تكون إلا استتباعاً لعقد النكاح، فدلت هذه الأمور كلها على أن المطلقة طلاقاً رجعياً في حكم الزوجة وليست بأجنبية.
وقوله: [لها وعليها حكم الزوجات].
أي: فيجوز له أن ينظر إليها وأن تنظر إليه ولو بشهوة، ويجوز له أن يلمسها وأن تلمسه، ويجوز أن يختلي بها وتختلي به، ويسافر معها وهو محرمها، كما ذكرنا.