Q بعض النساء عندما يطلقها زوجها طلقة واحدة فإنها لا تجلس في بيت زوجها، بل تذهب إلى بيت أهلها، فهل يصح هذا الفعل، وخاصة إذا قصدت الزوجة من خروجها أن يهدأ الزوج ويذهب غضبه؟
صلى الله عليه وسلم في الحقيقة ينبغي على العلماء وعلى طلاب العلم وعلى أئمة المساجد والخطباء أن ينبهوا الناس على هذه القضية، وأن يتواصى طلاب العلم بها، وهي قضية خروج المرأة المطلقة طلاقاً رجعياً من بيت الزوجية.
فلا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت الزوجية، ولا يجوز للزوج أن يطردها من بيتها، ولا يجوز لأبيها أو أخيها أن يأتي ويأخذها.
فلينبّه الناسُ على ذلك، فهذه مسئولية الخطباء، ويجب عليهم أن يبينوا للناس حكم الله في الطلاق، وأن يبينوا لهم السنة والبدعة، والأحكام المترتبة على هذا الأمر، خاصة في هذا الزمان.
تفشى بين الناس كثيراً إلا من رحم الله؛ أن المرأة بمجرد ما يطلقها زوجها يأتي أبوها أو يأتي أخوها أو يأتي قريبها، فيأخذها، وقلّ أن تجد امرأة اعتدت عدة الطلاق الرجعي في بيت الزوجية، وهذا من المنكر العظيم؛ فإن الله يقول: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق:1] فهذه المرأة المطلقة طلقة أولى أو طلقة ثانية بعد دخوله بها لا يحل خروجها من البيت، ولا يجوز للزوج أن يطردها إلا في أحوال مستثناة.
والأحوال المستثناة: هي أن يكون الزوج شريراً عظيم البلاء ويغلب على ظنها أنها لو جلست لحصل ما لا يحمد، ففي هذه الحالة من حقها أن تفر من ضرره، خاصة إذا كان عنده أمور خطيرة، أو رجل شديد العصبية، وأنه ربما أضر بها إضراراً عظيماً، وربما ضربها، وربما يتعدى بها إلى القتل أو الإضرار بها، فحينئذٍ يجوز للوالد إذا خاف من هذه الأضرار، ولأقرباء الزوجة إذا خافوا من هذه المفاسد؛ أن يخرجوا المرأة من بيت الزوجية.
أما إذا كانت الزوجة لا تخشى الضرر العظيم الفادح والغالب على الظن وقوعه؛ فإنه لا يجوز إخراجها، ويجب عليها أن تبقى في بيت الزوجية، وأخوها ظالم وأبوها ظالم ووليها ظالم إن أخرجها، ومن أخرجها من بيت الزوجية فقد ظلم، وطيلة ما تعيش في بيت أخيها أو بيت أبيها أو بيت قريبها بعيدة عن بيت الزوجية؛ فإن هذه الأيام والليالي كلها إثم وحرج على من أعانها على هذا الخروج؛ لأن الله يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] وهذا تعاون على الإثم وعلى العدوان، وتضييع لحق الله العظيم.
لأن الله لما جعل المطلقة طلاقاً رجعياً تبقى في بيت الزوجية فذلك لحكم عظيمة؛ فإنها إذا بقيت في بيت الزوجية حنّ كل من الزوجين للآخر، ولذلك قلّ أن تسمع اليوم رجلاً راجع زوجته وصلحت الأمور، لأنها بمجرد خروجها من بيت الزوجية تذهب إلى أهلها، فتفسد على زوجها، حتى ولو عادت مرة ثانية وهي صالحة؛ فوالله لو بقيت في بيت الزوجية لكان أصلح لها وأفضل.
فهذه أمور عظيمة، ولذلك لا يصلح الأزواج إلا بتفاهم الزوجين مع بعضهم، ولا يضر الزوجين شيء مثل دخول الطرف الأجنبي، حتى ولو كان الطرف الأجنبي أباً لها أو أخاً أو قريباً، فإن المرأة إذا بقيت مع زوجها استطاع كل منها أن يعرف كيف يحل مشاكل الآخر.
فهي إذا بقيت في بيت الزوجية أولاً: يستطيع الزوج أن يستخدم قوته في الصبر عنها حتى تتأدب إذا كانت هي التي أخطأت، فتراه يمر عليها، وتمر عليها الليلة تلو الليلة وهي في نفس البيت تعيش الذكريات القارسة المؤلمة، فتكتوي بنار الفرقة، والمرأة خلقها الله ضعيفة المشاعر، وجعل هذا الضعف كمالاً لها وجمالاً وجلالاً، وهذه المشاعر لا تكتوي بها عادة إلا إذا جلست قريباً من زوجها وهي تراه، لكن إذا ذهبت إلى بيت أبيها أو إلى بيت قريبها انشغلت مع بيت أبيها عن تحسس هذه الأحاسيس، ولذلك انظر حكمة الله عز وجل: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق:1] ونسب البيوت إليهن، مع أنها بيوت الزوجية {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق:1].
كما أن الزوجة تفر من بيت الزوجية إذا خشي الضرر، كذلك من حق الزوج أن يطردها وأن يخرجها من بيت الزوجية إذا كانت قد ارتكبت فاحشة مبينة كالزنا والعياذ بالله، أو كانت سيئة عظيمة الضرر؛ بأن تكون شريرة تستفزه، أو ربما تؤذيه، خاصة إذا كانت مسترجلة! ففي هذه الحالة من حق الزوج أن يطردها ويخرجها من بيت الزوجية، ويقول لوليها في هذه الحالة: تعال وخذ وليتك؛ لأن هناك فاحشة، سواءً كانت فاحشة باللسان أو كانت فاحشة بالجوارح والأركان.
فإذا كانت ذات فحش وأذية وإضرار بالزوج أو بقرابته، بحيث إذا طلقها قامت تسب أمه أو تسب والده، فإذا بقيت في بيت الزوجية والرجل ساكن مع والديه، فتطيل لسانها على أبيه وأمه، فمن حقه أن يطردها من بيت الزوجية ولو كانت في عدتها؛ لأنها أتت بفاحشة مبينة، وآذت وأضرت، مثل أن تقول لأمه: قولي له يردني، وتؤذيها وتضرها، وتزعجها وتقلقها؛ لكن لو جاءت بالمعروف وبكت عند أمه، وقالت: يا أم فلان قولي لفلان يراجعني، إني مخطئة إني كذا، فهذا شيء طيب، لكنها تأتي وتسبها وتشتمها وتؤذيها وتضرها وتضيق عليها، أو تضيق على والده وعلى قرابته، فإنه في هذه الحالة من حقه أن يطردها من بيت الزوجية، وليس لها حق في سكناها.
على كل حال: هذا الأمر ينبغي علينا جميعاً أن نتقي الله، وأن نتبع كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن الحكم العظيمة أن الزوج يحنّ لزوجته إذا كانت في بيت الزوجية، والزوجة تحنّ إلى زوجها إذا كانت في بيت الزوجية، وتصلح الأمور وتهدأ، ولا شك أن الله حكيم عليم، ولذلك قال: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:1] ونشهد لله أننا لا نعلم وأنه هو وحده سبحانه العليم الحكيم علام الغيوب، ونشهد أننا أجهل ما نكون إلا أن يعلمنا سبحانه وتعالى، وهو العليم الحكيم، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم! فلا شك أن لله الحكمة التامة البالغة في هذا الشرع الذي أوجب علينا في المطلقة طلاقاً رجعياً أن تبقى في بيت الزوجية ولا تخرج منه.
فالواجب أن يؤمر الناس بهذا الأمر، وأن يبين لهم شرع الله، وأن يحثوا ويحضوا على ذلك.
والله تعالى أعلم.