أما الجوانب الأخرى التي ينبه عليها من الأسباب التي تدفع الوسوسة فأعظمها البعد عن المظالم، فربما أصيب الإنسان بالوسوسة بسبب عقوقٍ للوالدين، أو قطيعة للرحم، أو أكل مالٍ لمظلوم، أو يتيم، أو محروم، فعليه أن يتفقد نفسه في المظالم: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11] فيراقب نفسه هل آذى أحداً؟ هل شتم أحداً؟ هل تكلم في عالم من العلماء فسلط الله عليه نفسه فأشغله عن أهل العلم؟ فربما جلس يتفكه بلحوم العلماء فابتلاه الله بلية نفسه حتى أصبح لا يعرف كيف يصلي والعياذ بالله، وكذلك ربما آذى مسلماً، أو قذف محصناً، أو تكلم في عرض مؤمن، أو نقل شائعة، أو ذم ولياً من أولياء الله، أو انتقصه حقا، أو ظلمه، أو غمطه؛ فغضب الله عز وجل عليه، وسلط عليه هذا البلاء فأشغله في نفسه.
وغالباً ما يكون البلاء من جنس العمل، فالذي يبتلى بالوسوسة في دينه عليه أن يراقب ما يكون في أمور الدين، ومن أعظمها ما يتصل بحقوق من له حق في الدين، كالأنبياء والعلماء وصالحي عباد الله الأخيار، فهؤلاء يتقي مظالمهم؛ فإنه من المجرب والمعروف أنه ما آذى أحدٌ أهل العلم أو أولياء الله إلا سلط الله عليه في نفسه، فأشغلهم عنهم بما يشاء، كما قال الله لنبيه: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:137].
فالوساوس كثيراً ما تأتي بسبب المظالم، وقد وجدنا بعض الناس يبتلى بالوسوسة، فلما تفقد حاله وجد أنه عاقٌ لأمه، ومنهم من ابتلي بالوسوسة بعد أن قطع الإحسان إلى أبيه، ومنهم من ابتلي بالوسوسة بسبب موقف بينه وبين أبيه في خصومة والعياذ بالله فأساء إلى أبيه أمام إخوانه، أو أمام أولاده، فنزلت عليه هذه العقوبة والعياذ بالله.
ويعلم الله أني أعرف حوادث في الوسوسة لأناس عقوا والديهم فغيروا ما بينهم وبين والديهم فرجعت أمورهم على أحسن ما يكون، فعقوق الوالدين من أعظم أسباب الوساوس؛ لأن الوسوسة شغلٌ للإنسان في نفسه والعياذ بالله، والعقوق من الذنوب العظيمة، وقطيعة الرحم كذلك، وربما جاء الرحم بحاجة إلى مال أو مساعدة أو معونة؛ جاء مكروباً منكوباً مفجوعاً، فوقف على ذي الرحم منه وسأله وناشده بالله والرحم، فصرفه عن بابه مكسور الخاطر فدعا عليه، وعلى هذا ينبغي للإنسان أن يحذر من المظالم؛ لأنها من أسباب الابتلاء بمثل هذه الأمور.