ذكر الله عز وجل

أولهما وأعظمهما: ذكر الله عز وجل وكثرة الدعاء، والاستعاذة بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم.

فذكر الله سواء بالاستعاذة أو بالدعاء، أو بأذكار الصباح والمساء، لا شك أنه أعظم وأنجح وأفضل ما يكون للموسوس، حتى إنه لو وجد الوسوسة مع هذه الأذكار فليعلم أنه لا يقول الأذكار بحضور قلبٍ وقوة يقين، فيؤتَى من نفسه، فيرجع إلى نفسه ويقوي يقينه بالله؛ لأن الإنسان إذا ابتلي بالوسوسة يحرص كل الحرص على أن يجعل الوسوسة أكبر من الله عز وجل والعياذ بالله، ويعتقد أنها ليس لها حل ولا علاج؛ ولذلك تجد من تسلطت عليه الوسوسة في مثل هذه الحالة قد بلغ إلى درجة اليأس، وقد تسلط الشيطان على قلبه والعياذ بالله؛ لكن إذا ظن في قرارة قلبه أن الله أكبر من هذا، وأن الله أعظم من هذا، وأن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، فإن الله سيجعل له فرجاً ومخرجاً.

ولقد ابتلي بعض الصالحين بهذا البلاء حتى كان بلاءً شديداً عليه في نفسه وفي عبادته، وحتى مع زوجه وأهله، واشتكى إلى بعض أهل العلم فأمروه أن يكون قوي اليقين بالله عز وجل، وأن يشكو أمره إلى الله عز وجل، فصلى ودعا الله عز وجل، قال: فما شعرت إلا وأنا في التشهد، فسألت الله بصدق، وإذا بشيء شديد الحرارة في أسفل بدني يؤذيني قال: فلما سلمت كان آخر عهدي بالوسوسة، فما بقي منها شيء ألبتة.

وقد كان بحالة لا يحسد عليها، فقد بلغ به أنه يدخل للغسل من الجنابة قبل صلاة الفجر بساعتين ولا يخرج من دورة المياه إلا بعد طلوع الشمس بثلاث ساعات أو بساعتين على الأقل، وهذا من شدة ما كان يجد، نسأل الله السلامة والعافية؛ فاشتكى إلى بعض أهل العلم، فقال له: اشتكِ إلى ربك، واسأل الله بصدق فإن الله لا يخيبك، وإذا سألت الله بيقين فإن الله لا يضيعك، وصلِّ وأنت تستشعر أنك أمام الله واعبده كأنك تراه، فأنت لما جئت تشتكي وجلست أمامي تسرد لي حوادثك وأنا مخلوق ضعيف لا أغني لك من الله شيئاً، فكيف وأنت تقف أمام ربك تشتكي عدوك الشيطان بقوة يقين وصدق التجاء إلى الله عز وجل، وأبشر بكل خير.

قال: فتوضأت وصليت، وهذه وقعت منذ سافر إلى العمرة، ولما طاف الطواف اشتكى إلى ربه ثم صلى ركعتي الطواف، ففي ركعتي الطواف سأل الله عز وجل وهو أمام بيته مستشعراً وقوفه أمام الله، معتقداً أن الله أكبر من هذه الوسوسة، فعافاه الله.

وكان يقول: كان الشيطان يقول لي: مستحيل، حتى أني أظن أنني سأصبح مجنوناً من شدة ما أجد من الوسوسة، وهو من أفاضل أهل العلم، قال: فلما سألت الله سبحانه وتعالى بصدق وأنا في التشهد شعرت بهذا الأمر الغريب في قدمي، فلما سلمت كان آخر عهدي بما كنت أجد: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الجمعة:4].

فمن ابتلاه الله عز وجل بهذا فعليه أن يحسن الظن، فربما أن هذه الوسوسة تبلغه درجة في الجنة لا ينالها بكثير صلاة ولا صيام، فيحتفي، ولذلك يأتي الشيطان للإنسان ويقول له: أنت لا تؤجر على هذه الوسوسة.

وهنا أنبه إلى أن بعض طلاب العلم وبعض من يفتي أصلحهم الله يسيء التعامل في مثل هذه الأمور، فيقول للإنسان: لماذا تفعل هذا، ويخاصمه، ولربما يغلظ له القول، فإذا كان مريضاً فلا يغلظ عليه، بل يؤخذ بالتي هي أحسن؛ لأن مثل هذا كالغريق يحاول معه بالرفق وباللين علَّ الله سبحانه وتعالى أن يجعل له فرجاً ومخرجاً، فإذا داوم على الأذكار، والدعاء ووجد أن الوسوسة موجودة، فمن الأمور الطيبة المستحبة التي ينبغي أن ينبه عليها من ابتلي بهذا أن يقال له: لولا الله ثم الدعاء لكنت في حال أسوأ من الحال الذي أنت فيه.

فهذا يزيد يقينه في الذكر لله عز وجل، ويقال له: لو لم تدع لكان الأمر أسوأ، فيتشبث ويحس أن الذكر له سلطانٌ على قلبه، وهو كذلك؛ لأن الله تعالى لا يخلف الميعاد، وهو أصدق حديثاً، وقد قال تقدست أسماؤه: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152]، وقال سبحانه وتعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45] فإنه يوصى بالذكر، فإن لم يجد في نفسه أثراً فليتهم نفسه بضعف اليقين، فإن وجد أنه صدق وسأل فلربما أراد الله له خيراً لا يعلمه، وفضلاً ينتظره بهذا البلاء فيحتسب الأجر والثواب من الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015