Q إذا طلبت الزوجة من زوجها أن يأذن لها إذناً عاماً، فهل الأفضل لها أن تستأذنه في كل خروج تعظيماً لحقه وإشعاراً لمكانه؟
صلى الله عليه وسلم لا شك أن المرأة الصالحة إذا أحسنت التبعُّل لزوجها، وكانت على أتم أحوال الأدب؛ فهذا أكمل لدينها، (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) المرأة الصالحة الدينة دائماً تخشى الله عز وجل في حق بعلها، فحينما تجده يكرمها أو يأذن لها في أمر واحتاجت إلى هذا الأمر مرة ثانية مع وجود الإذن المسبق، وعلمت أنه لا يضجر، وإنما أرادت أن تجله وتوقره؛ فإن هذا قربة، ولها المثوبة من الله عز وجل على ما فعلت، وهكذا كل من له حق وفعلت فعلاً معه إجلالاً له؛ لأنك ما فعلت هذا إلا تعظيماً وإكراماً، فالمرأة أُمرت بإكرام زوجها، والله عز وجل يقول: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:189] المرأة سكن للرجل، والزوج إذا نظر إلى امرأته وفيّة، كريمة، صالحة، كلما مكنها من أمر تأدبت معه، وكانت على الكمال في الانتفاع بإذنه؛ فإن هذا يزيد من محبتها، ولا شك أن كل زوجة ستعاشر زوجها سيشهد أمام الله بخيرها وشرها.
وهذا كمال وفضل، ولا تفعل هذا إلا المرأة الصالحة الدينة الكاملة الفاضلة، تستأذن زوجها مع وجود الإذن، لكن بشرط أن لا يضجر الزوج من ذلك، ولا يحدث عنده نوع من الكراهية، والمرأة فطنة تدرك هذه الأمور، ويذكر بعض مشائخنا -رحمة الله- عليهم مثلاً في تأدب طلاب العلم مع مشائخهم، وتأدب الصغار مع الكبار، وتأدب الولد مع والده أنه إذا وثق الوالد في ولده فأسند إليه أمراً، فرجع الولد إلى والده وسأله كيف يفعل؟ وماذا يأتي؟ وماذا يصنع؟ أعظم والده ذلك منه، ودله على كمال عقله وفضله ونبله، مع أنه يمكن أن يقوم بالأمر، لكنه قصد من هذا إشعار والده أنه ما زالت له ولاية عليه، وأنه وإن كان يثق أنه سيقوم بالأمر فإنه لا يزال محتاجاً إليه، هذا هو الشعور النفسي، وهو مرتبة الكمال والفضل، ولا يحرص على معالي الأمور ومكارم الأخلاق على أتم وجوهها إلا مؤمن صالح ومؤمنة صالحة.
المرأة تحرص غاية حرصها على طلب مرضاة الله عز وجل بمثل هذا، وهذه أمور قد يراها الإنسان يسيرة، ولكنها عند الله كبيرة، الأدب لا يضر صاحبه، بل ينفعه ويكرمه ويجله، وخاصة مسائل تعظيم شعائر الله عز وجل.
المرأة المؤمنة حينما يأذن لها زوجها، وترجع مرة ثانية وتأخذ منه الإذن مع وجود الإذن العام، أو تعلم أنه يرضى بالشيء، ومع ذلك تأتي وتقول له: هل أفعل أو لا أفعل؟ حينما تفعل هذا أمام أولادها ماذا سيكون له من الأثر؟ ولذلك كم من امرأة صالحة كانت تحت يد أم تخاف الله عز وجل وتتقيه وتحسن الأدب مع زوجها؛ وصلت إلى مراتب الكمال بما رأت من تصرفات أمها مع أبيها، وهذا هو البيت المسلم الكامل الفاضل.
والمسائل النفسية مهمة جداً، المرأة لما تستأذن من زوجها له آثار طيبة، حتى كان بعض العقلاء الحكماء من كبار السن يوصي أولاده بقوله: لا تأذن إذناً عاماً، وقل لامرأتك: إذا أرادت أن تستأذن أن تستأذن أمام أولادها وبناتها، حتى يتعلم أهل البيت الاستئذان، والإجلال لذي الحق، وما عرفنا بيوت المسلمين إلا على هذا الأثر، ولا قامت بيوت المسلمين إلا على هذا الإكرام من النساء الصالحات، وهذا والله لا ينقص المرأة أبداً، وأعداء الإسلام يحرصون كل الحرص على قطع مثل هذه المعاني، ويقولون: المرأة حرة في نفسها فلا تستأذن الرجل، وهذا كله اعتداء لحدود الله، وتمرد على الشريعة، وتمرد على مكارم الأخلاق الفاضلة؛ لأنهم يريدون المرأة كالرجل سواء بسواء والله يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36] وما أخبر الله عنه -وهو أصدق القائلين- فلن يستطيع أحد أن يرده كائناً من كان، فإن الرجل ليس كالأنثى، ولو شاب الغراب؛ لأن الله سبحانه وتعالى إذا حكم في أمر لا يمكن لأحد أن يعقب حكمه، {يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد:41].
فالمرأة حينما تأتي أمام أولادها وتقول: هل أخرج؟ يتعلم كل من في البيت أنه لا يخرج إلا بإذن الوالد، ولذلك كم من أطفال صغار نظروا إلى أمهاتهم وهن لا يخرجن إلا بالإذن، فأصبح الابن يتربى على الإذن، فنشأ البيت كله تحت قيادة الأب، ورعاية الأب، مع أم صالحة دينةٍ وفية كريمة ذات خلق وذات فضل، فصلحت الأسرة، وقد كانت بيوت المسلمين على هذا، وقوة الأمة الإسلامية تكون بقوة البيت المسلم وتماسكه واعترافه بقيام الرجل على المرأة.
وهذا الأدب فيه سمو وعلو للمرأة؛ لأن المرأة بفطرتها وخلقتها لا يمكن أن تصلح إلا بهذا، ولتنظر إلى أي بيت تكون فيه المرأة راعية لنفسها متمردة على بعلها تجده -والعياذ بالله- أشقى البيوت، تجده بيتاً مدمراً، والله لو جلسوا على المتاع الوفير، وأحسنوا فيما هم فيه من نعيم الدنيا؛ لكن صدورهم في ألم وشقاء وعناء لا يعلمه إلا الله عز وجل؛ لأن المرأة إذا رأتها ابنتها لا تستأذن، وتخرج متى شاءت، خراجة ولاجة متى أرادت، متمردة على بعلها؛ تمردت هي على أبيها غداً، وتمرد الابن على أبيه غداً، وأصبح البيت بدون قائد وبدون راعي، والله عز وجل جعل الرجل راعياً في بيته، وجعله قائماً على أهله وولده {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6] ولذلك تجد المرأة المسلمة تربي أبناءها وبناتها من الصغر ومنذ نعومة أظفارهم على الأدب، فلا يخرج الولد من عند الباب حتى يستأذن والده، وحق لها أن لا تموت حتى ترى حُسن الأثر لمثل هذه الآداب والأخلاق في أولادها؛ لأن المرأة لو ربت أولادها على هذا الشعور النبيل الفاضل استقام أمر البيت، وتجد الآن -ما شاء الله ولا قوة إلا بالله- رجلاً كاملاً في رجولته، لكن ما إن يدخل بيت أبيه إلا عاد على حاله أيام الصغر، وفاءً وحفظاً للعهد الذي يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (حفظ العهد من الإيمان)، فيدخل البيت وإذا به تحت والده، حتى أن بعضهم يقول: والله إنه كبر والدي، وهو في آخر عمره، وما زالت فيَّ هيبة والدي التي أعرفها في الصغر؛ لأن الأم كانت ممسكة بزمام البيت، وكانت محافظة على فرض هذا الشعور، ولله درها من أم، ولا يمكن أبداً أن تستقيم أمور البيوت ولا الحياة الزوجية إلا بمثل هذا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد - يعني: وهي تذهب إلى الصلاة لا بد أن تستأذن- فلا يمنعها) ويقول: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) فإذا كانت في الطاعات تستأذن، فكيف في أمور الدنيا؟ فلا شك أن خروج المرأة لا بد فيه من الإذن، ولا بد أن تراعي الأكمل والأفضل في هذا.
والإنسان إذا حرص دائماً على مراتب الكمال، كمّل الله عز وجل أموره في كل شيء، حتى وأنت في إدارتك ووظيفتك مع من هو أكبر منك وأعلى منك، تتأدب، فإذا بالقلوب تجمع على محبتك، والظنون السيئة تبتعد عنك؛ وهذا من حسن ما جعله الله لأهل الإيمان من الود، فإنه لما كملت أخلاقهم وكمل إيمانهم بحسن الخُلق جعل الله لهم المحبة في الخلق، وذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم:96] أي: سيجعل الله لهم الود، وهو: خالص الحب، لكن بماذا؟ بفضله سبحانه ثم بالإيمان، وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وأكملهم خلقاً، والمرأة المؤمنة إذا كمل خلقها كملت محبتها، وعندها تصبح المرأة ناجحة، وتصبح المرأة ممسكة بزمام الأمور، بعد كبر الأبناء والبنات؛ ترى حسن العاقبة والأحوال.
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يكرمنا بهذه الأخلاق، وأن يهدي شباب المسلمين وشاباتهم إلى التمسك بها والعمل بها، والله تعالى أعلم.