وقد شرع المصنف بالكلام عن تعليق الطلاق بمشيئة غير الله عز وجل.
فذكر تعليق الطلاق على مشيئة الزوجة، مثل أن يقول لها: إن شئتِ، أو إذا شئتِ، أو متى شئتِ، وهذا يسمى بالمشيئة المنفردة؛ لأنه أسند وعلق الطلاق على مشيئة شخص واحد، هو الزوجة: إذا شئتِ ومتى شئتِ وإن شئتِ، وإذا أسند الطلاق إلى مشيئة واحد فإما أن يسنده مقيداً وإما أن يسنده مطلقاً، مقيداً كأن يقول لها: إن شئت الآن، فيقصد في الحال، فيتقيد بالحال، أو إن شئت هذه الساعة، أو خلال ساعة، أو خلال هذا اليوم، أو خلال هذا الأسبوع، أو ما لم تغب الشمس، أو ما لم يطلع الفجر، فيقيد الطلاق بمشيئتها في هذه المدة، فلو أنها مضت عليها وانتهت، ولم تشأ الطلاق، فحينئذٍ لا يقع الطلاق إذا لم تشأ في هذه المدة المقيدة، أو قال: إن شئتِ ما دمت قائمةً، فيقيده بحال قيامها، فإن جلست انقطع الإسناد، والتمديد للطلاق كان معلقاً بالمشيئة حال قيامها.
والمشيئة: أمر متعلق بالقلب، وهو أمر غيبي خفي، لا يمكن أن نعلمه إلا إذا أخبرت به، وهكذا لو كان الذي علق الطلاق بمشيئته أجنبياً، فقال: إن شاء زيدٌ، أو متى شاء زيدٌ، أو إن شاء أبوك، أو شاءت أمك، في هذه الأحوال ننظر إلى مشيئة من ينفذ الطلاق، فلا يخلو إما أن يشاء الطلاق أو يشاء عدم الطلاق، فإذا شاء الطلاق فإنه يحكم بالطلاق، فلو قال لها: إن شئتِ، فقالت: قد شئتُ طلاقي، فإنها تطلق، أو قال لها: إن شاءت أمك، فذهبت إلى أمها فقالت الأم: أشاء الطلاق، وقع الطلاق؛ لأنه معلق على شيء يقع بوقوعه، وهو شرط بينه وبين الله عز وجل أنه إن وقعت هذه المشيئة فامرأته طالق، سواءً شاءت الزوجة أو أبوها أو أخوها أو أياً كان فمن علق الطلاق بمشيئته، ما دام أن هذا الشرط قد تحقق، وهو وجود المشيئة التي علق الطلاق على وجودها، فنحكم بالطلاق.
وتقدم معنا أن الصحابة كانوا يعتبرون التعليق، وأجمع أئمة السلف على اعتبار التعليق من حيث الجملة، فلو قال لها: إن طلعت الشمس أو إن غابت الشمس فأنت طالق، فإنها تطلق وجهاً واحداً، وهكذا حينما قال لها: إن شاء أبوك، إن شئتِ، إن شاء عمك، إن شاء خالك، وقد شاء ذلك الغير مضى الطلاق ونفذ، لأن الذي اشترطه بينه وبين الله: أن امرأته طالقة إن وجدت هذه المشيئة.
الحالة الثانية: أن لا تشاء الطلاق، تقول: لا ما أريد الطلاق، ولا أشاء الطلاق، أو لا أحب الطلاق، لا أرضى الطلاق، وتعذرت بأنها لا مشيئة لها بالطلاق، فحينئذٍ انتفى الشرط فلا يقع ما التزم به من طلاقها، وتبقى المرأة في عصمته، وهكذا لو قال لها: إذا شاءت أمك أو شاء أبوك، فذهبت وسألت أباها، وسألت أمها، فقالت أمها: لا أريد الطلاق، وقال أبوها: لا أريد الطلاق، فإنها لا تطلق.
إذاً: إذا أسندت المشيئة إلى شخص سواءً كانت الزوجة أو غيرها، فإنه إن شاء الطلاق وقع، وإن لم يشأ الطلاق لم يقع، هذا حكم إسناد الطلاق إلى مشيئة منفردة.
لكن في بعض الأحيان قد تدمج المشيئة إلى مشيئة آخر، فتركب المشيئة على المشيئة، مثلاً: يقول لها: أنت طالق إن شئتِ، فقالت: قد شئتُ إن شئتَ، قد تخشى من زوجها ولا تريد أن يكون الأمر إليها، فردت عليه وقالت: قد شئتُ إن شئتَ، أو تقول: قد شئتُ إن شاءت أمي، قد شئت إن شاء أبي، أو إن شاء أخي، أو إن شاء فلان، فإن قالت: قد شئتُ إن شاء أبي أو شاءت أمي، فأسندت مشيئتها إلى الغير فلا طلاق، ولو طلق ذلك الغير؛ لأنه فيما بينه وبين الله اشترط أن تكون لها مشيئة، فلما أسندت إلى الغير دل على أنها لا تشاء الطلاق لأنها لو شاءت الطلاق لقالت: شئتُ، وهو يقول: إن شئتِ، يعني: إن كان منك مشيئة وأردت الطلاق فأنت طالق.
قوله: [إذا طلقها بمشيئتها بإن أو بغيرها من الحروف لم تطلق حتى تشاء]: لأنه اشترط فيما بينه وبين الله أنها طالق إن شاءت، ولم يقع ذلك الشرط فلا يقع المشروط.