دلائل طلب العبد لرضوان الله

Q ما دلائل طلب العبد لرضوان الله تعالى؟

صلى الله عليه وسلم ما أعطى الله عبداً بعد الإيمان به وتوحيده شيئاً أحب ولا أكرم عليه من طلبه لرضوان الله سبحانه عنه؛ ولذلك عظم الله رضوانه، وأخبر أنه أكبر من كل شيء، فذكر نعيم الجنة وما أعد لأوليائه فيها ثم قال: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة:72]، وفي الحديث الصحيح: (أن الله تعالى إذا أدخل أهل الجنة ورأوا ما فيها من النعيم وما فيها من الفضل والتكريم، قال الله تعالى: هل أزيدكم؟ أحل عليكم رضائي فلا أسخط عليكم أبدا)، فأعظم النعم وأجل المنن -بعد نعمة الإيمان- أن يكون العبد مرضياً عنه، وإذا رضي الله عن العبد أرضاه، وإذا أرضى ربك عبده أسعده في الدنيا والآخرة، فما ظنك بولي الله الصالح الذي قرت عينه بمرضاة ربه عليه، فلن يسلك سبيلاً إلا سهله الله له، ولن يقرع باباً من الخير والبر إلا فتحه الله في وجهه، وبارك له فيه، وتأذن له بحبه، رضوان الله جل جلاله هو الغاية العظيمة والأمنية الجليلة الكريمة التي من أجلها بكت عيون الخاشعين، وتقرحت قلوب الصالحين، ومن أجله انتفضت الأقدام في جوف الليل بين يدي الله من المتهجدين الراكعين الساجدين، ومن أجلها سالت دماء الشهداء، طلباً لمرضاة الله جل جلاله، فبيعت الأنفس من أجل أن يشتري العبد مرضاة ربه، باع نفسه وربح البيع وربحت التجارة مع ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، رضوان الله هو الأمنية العظيمة التي يتمناها العبد السعيد من ربه.

وهناك دلائل تبشر العبد بأنه يطلب مرضاة الله، أول هذه الدلائل: سرٌ بينك وبين الله جل جلاله، فأول ما يدل على أن العبد يريد وجه الله أن يمتلأ قلبه بتوحيد الله والإيمان به سبحانه، فتصبح جميع أموره وجميع شئونه لله لا لأحدٍ سواه، أول دلائل وبشائر الطلب الصادق لمحبة الله ورضوانه أن يكون الإنسان مخلصاً لله وحده لا شريك له: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163]، هذا الإخلاص وهذا التوجه الذي يجعل العبد في جميع أموره يريد وجه الله ولا يريد شيئاً سواه، والذي يريد مرضاة الله لا يتكلم إلا لربه، ولا يعمل إلا لربه، ليله ونهاره وصبحه ومساؤه كله لله وحده لا شريك له، فليس في قوله رياء ولا سمعة، وأكره ما يكره أن يطلع عبدٌ على طاعة بينه وبين الله سبحانه؛ لأنه يعلم أن ربه يحب منه أن يخفي عبادته، ويحب منه أن يقصد وجهه ولا يقصد أحداً سواه، فأول الدلائل وأول الأمارات: الإخلاص لوجه الله جل جلاله في جميع شئونه وأحواله، منذُ أن يلتزم ويسير على منهج الله ليس له وجه يتوجه إليه ويقصده إلا وجه الله سبحانه وتعالى، عند ذلك يطيب قوله، ويطيب عمله، فلم تطب الأقوال والأعمال إلا بالإخلاص لذي العزة والجلال.

ومن دلائل طلب مرضاة الله عز وجل: أن يسعى العبد في أحب الأشياء إلى الله فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين الناس، فلا يسمع بكلمة تقربه من ربه أو ترضي ربه عنه إلا تكلم بها، ولو رأى الموت بين عينيه، ولا يعلم بعملٍ يقربه من ربه ويرضي ربه عنه إلا سعى في تحقيقه، وسعى في طلبه غاية جهده، كذلك أيضاً يسعى فيما بينه وبين الناس في كل شيء يقربه إلى الله جل جلاله، ويبدأ أول ما يبدأ بوالديه، ثم بأولاده، ثم بزوجته، وأدناه أدناه من الأقربين، يطلب رضى ربه عنه فيما بينه وبين والديه، وفيما بينه وبين رحمه، ولن تجد أحداً رضي الله عنه إلا وجدته باراً بوالديه، فرضي الله عمن أرضى والديه، يشتري مرضاة الله بابتسامة والده، يشتري مرضاة الله في أبٍ وقف على آخر أعتاب هذه الدنيا، يلتمس مرضاة الله في ابتسامة يجدها من هذا الأب أو في سرور يدخله عليه، أو في كربةٍ ينفسها عنه، أو في حاجةٍ يقضيها له، أو في ضيق يوسعه عنه بإذن الله جل جلاله، يشتري مرضاة الله ويضحي ويبذل كل ما يستطيع بذله من نفسه وماله طلباً لهذه المرضاة، لأنه سمع رسول الأمة صلى الله عليه وسلم يقول: (رضا الله من رضا الوالدين)، فينتظر هذا الرضا بفارغ الصبر، فلا تشرق عليه شمس يوم إلا جعل والديه بين عينيه، في كلامه، فلا يقول إلا الكلمة التي ترضي الله، وفي فعله، فلا يفعل إلا ما يرضيه، ثم ينطلق رضيا راضيا مرضيا عنه في ذوي رحمه وقرابته، ويبدأ بأولاده، يدخل السرور عليهم، ويعلم أن الله يرضى عنه عندما يكون رحيماً بأولاده، قائماً بحقوقهم، مؤدياً الواجبات إليهم، يرعاهم في دينهم، ويتفقدهم في شئونهم، ويأمرهم بما أمرهم الله به، وينهاهم عما نهاهم الله عنه، ويعلمهم ويرشدهم، ولا يدخر عنهم شيئاً من الخير من أمر دينهم أو دنياهم أو آخرتهم، فإذا أرضى الله في أهله وولده رضي الله عنه، ولذلك تجد الرجل الموفق السعيد محافظاً على أولاده، محافظاً على فلذة كبده وذريته، يتفقدهم في أوامر الله، نشّأهم منذ نعومة أظفارهم على الطاعة والصلاة، فيعرفون بيوت الله، ويعرفون فريضة الله، ويؤدون الصلاة على أتم وجه وأكمله، ويرى ذلك عزيمة وفريضة عليه، فرضوان الله لا يكون بالتشهي ولا بالتمني ولا بالدعوى ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.

كذلك من أسباب رضوان الله عز وجل عن العبد: أن يبدأ بقلبه، فينقي هذا القلب من الغِل والحسد وكراهية المسلمين وسوء الظن بهم، يبدأ بقلبه هذا فيغسله بماء الإيمان، ويعرضه على قوارع التنزيل، وأوامر العظيم الجليل، التي تأمره أن يكون أخاً صادقاً مع إخوانه، ويتذكر دائماً كلما رأى مسلما قول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، يحس أنه أخوه، وفي بعض الأحيان ربما تكون أخوة الإيمان في القلب أعظم من أخوة الحسب والنسب، فكما أنه يحب لأخيه من حسبه ونسبه ما يحب لنفسه؛ فإنه يحب لإخوانه في الدين ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، لا يفرق بين غنيهم وفقيرهم، ولا رفيعهم ووضيعهم، ولا جليلهم وحقيرهم، فكلهم إخوانٌ له في الله، والله يشهد أنه في قرارة قلبه كذلك، يظهر على لسانه الكلام الطيب وفي قرارة قلبه ما هو أزكى منه وأجمل، ما عنده نفاق، وما يلقى الناس بوجه يضحك لهم وقلبه -والعياذ بالله- مكفهر، مليءٌ بسوء الظنون، وبالحسد، والكراهية، خاصة إذا كان من طلاب العلم، وخاصة إذا كان من الصالحين، فالأمر -والله- أشد ويعلم أن الله مطلع على سريرته، وسيحاسبه يوم القيامة من هو شهيد على العبد بما في الضمير، قال الله جل جلاله: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9 - 10]، الله يوم القيامة لا ينظر للابتسامات المكذوبة، والكلمات المعسولة، إنما ينظر إلى ما وقر في القلب وصدقه العمل، فالله جل جلاله لا ينطلي عليه الكذب ولا يخادع سبحانه وتعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142]، فالذي يلتمس مرضاة الله بصدق بهذا الصفاء والنقاء والمودة والإخاء والأخوة الإسلامية المبنية على نصوص الكتاب والسنة لا يتلاعب بها، وليست عنده موازين مختلفة أبداً، فهو مسلم حقاً، وجه وجهه لله فعلاً، يلتمس مرضاة الله، وإذا جلس مع أفقر الناس فهو كما لو جلس مع أغنى الناس، يبتسم لهذا ويبتسم لهذا، وكان بعض علماء السلف -رحمهم الله- يعظمون الفقراء في بعض الأحيان أكثر من الأغنياء، ولذلك قيلت الكلمة المشهورة: (ما أعز من الفقراء في مجلس سفيان الثوري رحمه الله) لأنه كان يطلب مرضاة الله بصدق، لا بالنفاق ولا بالكذب ولا بالدعاوى العريضة ولا بالخداع للمسلمين، الذي يلتمس مرضاة الله عبدٌ صادق يحب الصدق ويوالي بصدق.

ومن دلائل رضوان الله على العبد: أن تظهر عليه أمارات في تصرفاته مع إخوانه المسلمين عموماً، وخاصةً مع العلماء والأئمة، وبالأخص سلف هذه الأمة، فلا يذكرهم إلا بكل خير، يترحم على أمواتهم، ويحسن المخرج لهم إن كان عندهم خطأ وزلل، ويعذرهم إن كان لهم عذر، وينشر ما كان منهم من الجميل، ويستر ما كان منهم من القبيح، تأسياً بقوله عليه الصلاة والسلام: (اذكروا محاسن موتاكم)، فيكون مع أصلح خلق الله -وهم العلماء- كأحسن ما يكون، فالمؤمن يوالي المؤمن على أتم الوجوه، وأولى الناس بالموالاة والمحبة والصفاء والنقاء هم أهل العلم.

واعلم أن الله أعلم بخلقه: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124]، فهؤلاء الصفوة اختارهم الله -جل جلاله- من فوق سبع سماوات حملةً لدينه، وأمناء على شرعه، إن كنت تلتمس مرضاة الله فكن كأحسن ما يكون مع علماء الأمة وسلفها، فاعتقد فضلهم وادع لهم وانشر محاسنهم، فإن العبد الذي يشتري مرضاة الله عز وجل يشتريها بمحبة الصالحين: (فمن أحب قوماً حُشِر معهم) كما قال صلى الله عليه وسلم.

كذلك من دلائل مرضاة الله عز جل على العبد: أن يبارك له في وقته وفي عمره، فإذا التزم بهذا الدين وجدته لا تمضي عليه ساعة ولا لحظة إلا في خير وبر، وكذلك كان نبي الأمة صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضوان الله عليهم، والعلماء العاملون؛ لا تضيع أوقاتهم هدرا، وإذا أردت أن ترى العلامة الصادقة على محبة الله للعبد فانظر كيف يبارك له في عمره، فإما أن يكون في مصلحة الدين فيما بينه وبين الله أو فيما بينه وبين الناس، يحرص من يشتري مرضاة الله على أن لا تمضي عليه ساعة إلا في ذكر الله وشكره، ويتقطع حرقة على كل ساعة مضت في غير ذكر الله أو شكره وطاعته، فإن (الدنيا ملعونة، ملعونٌ ما فيها، إلا ذكر الله أو عالماً أو متعلماً)، فإذا بورك للإنسان في وقته وأصبحت كل أوقاته في طاعة الله؛ تجده يجلس في بيته إما أن يقرأ كتاباً ينتفع به، أو يسمع من والديه موعظة أو ذكرى أو عظة يتعظ بها أو قصة مؤثرة، أو يجلس مع أولاده يأمرهم بطاعة الله عز وجل ومرضاة الله، ويدلهم على كل خير، وهذه عمارة الأوقات، ومن أفضل ما تمضى به: ذكر الله جل جلاله، فالعبد الذ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015