قال رحمه الله تعالى: [فصل: إذا علقه على الطلاق ثم علقه على القيام أو علقه على القيام ثم علقه على وقوع الطلاق فقامت طلقت طلقتين فيهما] يقول: إن طلقتكِ فأنتِ طالق وإن قمتِ فأنتِ طالق، أي: علق على الطلاق وعلق على القيام، فإذا علق على الطلاق وقال: إن طلقتكِ فأنتِ طالق؛ فقدم الطلاق على القيام فإنها إذا قامت تطلق طلقة بالقيام ثم طلقة ثانية بقوله: إن طلقتكِ فأنتِ طالق، لأنه قال لها: إن طلقتكِ فأنتِ طالق ثم قال: إن قمتِ فأنتِ طالق، إن قعدتِ فأنتِ طالق، إن خرجتِ فأنتِ طالق؛ فخرجت أو قعدت أو قامت حكم بطلقتها الأولى لوجود صفة الخروج أو القيام أو القعود، وحكم بالطلقة الثانية لأنه جعل بينه وبين الله أن يطلقها إن كان وقع طلاقه عليها، وقد وقع طلاقه عليها بوجود الشرط، وحينئذٍ نحكم بأن التعليق الأول وهو قوله: إن طلقتكِ فأنتِ طالق، موجب لوقوع الطلاق الثاني.
على هذا: إذا قال لها: إن طلقتكِ فأنتِ طالق، يستوي أن يطلقها طلاقاً منجزاً أو طلاقاً معلقاً، فأي رجل يقول لامرأته: إن طلقتكِ فأنتِ طالق، فأي طلاق يقع بعد هذه الجملة يتبع بطلاق ثانٍ لمكان التعليق، فأصبح الطلاق يحمل على الطلاق؛ لأنه فيما بينه وبين الله عز وجل قد طلق امرأته وهو مطلق لامرأته إن طلقها، فنقول: إذا وقع القيام بعد اشتراطها وتعليقه للطلاق على تطليقها؛ فإننا نحكم بكونها طالقاً بالقيام أولاً، ثم نحكم بطلاق التعليق على الطلاق بعد وقوع الطلاق المعلق على القيام.
قال رحمه الله: (إذا علقه -أي: الطلاق- على الطلاق) ومثال ذلك: أن يقول: أنتِ طالق إن طلقتكِ، (ثم علقه على القيام) يعني: علق الطلاق على القيام، فإنها تطلق طلقتين إذا قامت، فالقيام أوجب طلقة بالتعليق الثاني، وأوجب تطليق القيام طلقة بالتعليق الأول، إذا قال لها: إن طلقتكِ فأنتِ طالق وإن قمتِ فأنتِ طالق فتطلق بالقيام طلقة وتطلق طلقة ثانية بوجود الشرط من كونه مطلقاًَ لها، إذاً: قوله: إن طلقتكِ فأنتِ طالق يستوي فيه أن يطلقها منجزاً أو يطلقها معلقة.
(أو علقه على القيام ثم علقه على وقوع الطلاق).
(علقه على القيام) فقال لها: إن قمتِ فأنتِ طالق، وإن وقع مني طلاق فأنتِ طالق، فحينئذٍ علق على الوقوع ليس على التطليق، وفرق بين التعليق على التطليق وبين وقوع الطلاق، هناك فرق بين الأمرين، فإنه إذا قال: إن طلقتكِ فأنتِ طالق فمراده إن وقع منه طلاق، فهذا يضاف للمستقبل ولا يضاف للماضي حتى لا تشكل علينا المسائل الآتية، إن طلقتكِ فأنتِ طالق، يعتبر تعليقاً مسنداً للمستقبل، بدليل أنه لو كان قد طلقها من قبل فإنها لا تطلق؛ لأنه يقول: إن طلقتكِ، والكلام مضاف إلى المستقبل، فلا يقع الطلاق فيما مضى ويقع فيما يأتي، فلو أنه قبل هذا التعليق علق الطلاق على قيام أو قعود أو جلوس فهذا مسند إلى الماضي وسيأتي، وإنما يؤثر في هذه الصيغة: (إن طلقتكِ) أن يكون مضافاً إلى المستقبل، وأن يكون تعليقه للطلاق بعد وجود التعليق على الشرط، يعني: على كونه مطلقاً لها.
بناءً على هذا: إذا قال لها: إن قمتِ فأنتِ طالق، ثم قال: إن طلقتكِ فأنتِ طالق؛ فحينئذٍ لا نطلق إلا إذا وقع طلاق في المستقبل، فلو قامت طلقت بالتعليق الأول ولم تطلق بالتعليق الثاني؛ لأن التعليق الأول سابق للتعليق الثاني، والتعليق الثاني متعلق بما يقع من الشروط بعد تطليقه، وإنما طلقها قبل التعليق الثاني.
الآن عندنا لفظان: اللفظ الأول: إن طلقتكِ فأنتِ طالق، بينه وبين الله أنه إن وقع منه طلاق في المستقبل فهي طالق عليه، أي رجل يقول لامرأته: إن طلقتكِ فأنتِ طالق، ويوقع صيغة تعليق أو لفظ طلاق بعد هذه الكلمة نطلق عليه.
اللفظ الثاني: أن يكون طلق في الماضي أو علق في الماضي ووقع ما علقه في المستقبل فلا يؤثر؛ لأنه لم يطلق في الحال وإنما طلق فيما مضى بصيغة سابقة.
فهناك أمر لازم في صيغة (إن طلقتكِ فأنتِ طالق) وهو وقوع الطلاق منه في المستقبل وهو يقول: إن طلقتكِ يعني: إن وقع مني تطليق بعد هذا، فكل شخص قال: إن طلقتكِ فأنتِ طالق، نقول له: انتبه، فكل طلاق منك سواءً كان معلقاً أو منجزاً بعد هذه الصيغة تنشئه -أي: تحدثه- فحينئذٍ يقع ويلزمك الطلاق الذي علقته على هذه الصيغة، وتطلق عليك مرتين، لكن لو علق طلاقاً قبل ذلك، نحو: إن ذهبتِ إلى أبيكِ، إن خرجتِ من البيت، إن قمتِ، إن قعدتِ، إن تكلمتِ، إن أكلتِ، إن شربتِ، ثم قال: إن طلقتكِ، فإن التعليق الأول مسند إلى الماضي، وسابق لشرطه فيما بينه وبين الله عز وجل، حيث إنه لم ينشئ طلاقاً؛ لأن التعليق قد وقع؛ ولذلك يقع التعليق منذ أن يعلقه فيما بينه وبين الله، بدليل أنه لو وقع منها الأكل أو الشرب قبل الصيغة الثانية التي فيها التعليق طلقت عليه، فإذاً التعليق الأول لا يتوقف على التعليق الثاني، والتعليق الثاني يتوقف على وقوع طلاق معلق أو منجز منشأ ومحدث بعد الصيغة.
إذاً فرق بين قوله: إن طلقتكِ وقوله: إن وقع مني طلاق، فقوله: إن طلقتكِ أضاف الأمر إلى المستقبل، فإذا سكت بعد هذه الجملة ولم يتلفظ بالطلاق، ولم يعلق الطلاق فالمرأة امرأته، وإن كان هناك تعليق سابق نحكم بالتعليق السابق مستقلاً عن هذه الجملة الثانية، هذا إذا قال لها: إن طلقتكِ فأنتِ طالق، فنضيفه إلى ما بعده، والشرط عندنا أن يقع التعليق أو التنجيز بعد هذه الكلمة، وأنه لو قال قبل هذه الجملة: إن تكلمتِ فأنتِ طالق أو قمتِ فأنتِ طالق أو شربتِ فأنتِ طالق ثم قال لها: إن طلقتكِ فأنتِ طالق نقول: إن هذا التعليق مضاف إلى الماضي، وصحيح أن الطلاق الذي كان في التعليق السابق يقع بعد وقوع التعليق الثاني لكنه غير مرتبط به، ولا ينشئ طلاقاً ثانياً بالصيغة الثانية، وعلى هذا نقول: لو قال لها: إن قمتِ أو إن قعدتِ أو أكلتِ أو شربتِ ثم أتبع ذلك بقوله: إن طلقتكِ فأنتِ طالق لم يقع طلاق بالجملة الثانية حتى ينشئ تطليقاً بعدها.
لكن إن علق التطليق على وقوع الطلاق، قال: إن وقع مني طلاق فأنتِ طالق، لاحظ: (إن طلقتكِ) غير (إن وقع مني) فإن وقوع الطلاق شيء وإنشاء الطلاق شيء آخر، ففي الصورة الثانية تعلق تطليقه بالشرط الثاني على صفة، وبناءً على ذلك متى ما وجدت الصفة وجد التطليق، هو يقول لها: إن وقع مني طلاق، يعني: بسببي، فحينئذٍ يشمل ما إذا كان قبل التعليق الثاني أو بعد التعليق الثاني، وعليه: فإنه إذا قال لها: إن قمتِ فأنتِ طالق، ثم قال: إن وقع مني طلاق فأنتِ طالق؛ فإنها إن قامت بعد الصيغة الثانية تطلق؛ لأن وقوع الطلاق قد وقع، فالصفة وجدت بخلاف الإنشاء الذي لم يوجد.
نختصر المسألتين ونقول: إن علق التطليق على الطلاق إنشاءً لم يقع حتى يطلق بعد الإنشاء تنجيزاً أو تعليقاً، وإن علق الطلاق على الطلاق وقوعاً لا إنشاءً فإنها تطلق بالطلاق المعلق قبل إنشاء الطلاق الثاني، فإن وجدت صفته حكم بالطلاق الثاني وطلقت به.
قال المصنف رحمه الله: [وإن علقه على قيامها ثم على طلاقه لها فقامت فواحدة] إن قال لها: إن طلقتكِ فأنتِ طالق، فمعنى ذلك: طالق طلقة واحدة، ثم قال: إن قمتِ فأنتِ طالق، فقامت نطلقها طلقتين، طلقة بقيامها وطلقة بتعليق الطلاق على تطليقها؛ لأنه اشترط فيما بينه وبين الله: إن أنشأت أو وقع مني طلاق لك في المستقبل فأنتِ طالق، فأنشأ طلاقاً معلقاً بعد هذه الجملة فتطلق بوجوده إن حصل، فنطلق طلقة بوجود شرط القيام، ونطلق طلقة ثانية بوجود شرط الطلاق، هذا بالنسبة للصورة الأولى.
الصورة الثانية: العكس، قال لها: إن قمتِ فأنتِ طالق، ثم قال لها: إن طلقتكِ فأنتِ طالق، فقد أسند الطلاق إلى وجود القيام فنطلقها بمجرد وجود القيام، ثم وجدنا شرطه بالتطليق بالطلاق مضافاً إلى مستقبل لم يُنشِئْ فيه طلاقاً، فلا نحكم بكونها طالقاً الطلقة الثانية.
فاختلفت الصيغتان: الصيغة الأولى التي توجب وقوع الطلاق طلقتين مبنية على كونه علق الطلاق على وجود طلاق في المستقبل، وقد طلق بعد هذه الجملة بالقيام، فتطلق بالقيام طلقة وتطلق بصيغة الشرط طلقة ثانية، وأما الصيغة الثانية فقد تمحض شرطه مضافاً إلى المستقبل أي: أنه إن أنشأ تطليقاً منجزاً أو معلقاً في مستقبله فتطلق، وإن لم ينشئ وإنما وقع طلاقه بناءً على تعليق سابق، ولم يكن هناك شرط منه بوقوع الطلاق على مثله، فلا نطلق عليه.
الخلاصة: من قال لامرأته: أنتِ طالق إن طلقتكِ طلقة، ثم قال لها: أنتِ طالق إن قمتِ فقامت؛ طلقت طلقتين، وإن قال لها: إن قمتِ فأنتِ طالق ثم قال: إن طلقتكِ فأنتِ طالق، فقامت؛ طلقت واحدة فقط بالقيام للتعليق الأول، ولم تطلق الثانية بالتعليق الثاني؛ لأنه لم ينشئ بعده طلاقاً لا منجزاً ولا معلقاً.