قال-رحمه الله تعالى-: [وكلما لم أطلقك فأنت طالق، ومضى ما يمكن إيقاع ثلاث مرتبة فيه طلقت المدخول بها ثلاثاً، وتبين غيرها بالأولى] على العموم: على طالب العلم دائماً أن يصبر، قد يقول: هذه الكلمات وهذه الألفاظ لم تعد موجودة، والواقع إن العلماء-رحمهم الله- يذكرون هذه الأدوات، ويذكرون دلالتها، والمراد التنبيه على الأصل؛ من أنه لا بد من الرجوع إلى اللغة العربية، ودلالاتها، والاحتكام إليها؛ لأنها هي لغة القرآن، وإذا اشترط الإنسان بهذه الصيغ العربية، فإنه يجري عليه ما يجري على المتكلم بها، فهذه الصيغ مختلفة ومتعددة، فعلى طالب العلم أن لا يسأم، ولا يمل، فقد تقع مثل هذه الألفاظ؛ كرجل عامي يأتيك ويقول: قلت لامرأتي: كلما لم أطلقك فأنت طالق، فكلما: تقتضي التكرار، والأدوات أنواع، ذكر أولاً: (إن) وهي أم الأدوات ويتأخر الطلاق بها، ثم أتبعها بإذا، ومتى، وأي وقت، وهذه قلنا: يقع الطلاق بعدها مباشرة، فننظر إلى قدر الزمان المباشر، فتباشر الطلاق، وتقع بعد الصيغة مباشرة، إذا مضى زمان يمكن أن يقع فيه الطلاق ولم يطلق، و (كلما) يقع الطلاق بعدها مباشرة أيضاً، فهي مثل الأدوات الثلاث التي تقدمت، لكن (كلما) تقتضي التكرار، فالأمر فيها أشد من قوله: إذا لم أطلقك، ومتى لم أطلقك، وأي وقت لم أطلقك، فهذه تختلف عن (كلما)؛ لأن هذه الثلاث وأيضاً: (إن) تطلق فيها المرأة طلقة واحدة على الأصل، لكن لو قال: كلما لم أطلقك فأنت طالق؛ اختلف الحكم باختلاف النساء: فإذا كانت المرأة مدخولاًً بها، فإنه إذا مضى بعد هذه الصيغة زمان يمكن فيه الطلاق، ولم يطلق، طلقت الطلقة الأولى، ثم ننتظر بعد الطلقة الأولى زماناً يمكن وقوع الطلاق فيه، ثم تطلق الطلقة الثانية، ثم تطلق الطلقة الثالثة، فالأفضل أن يقول مباشرة: أنت طالق؛ حتى يخرج من مشكلة التكرار في (كلما) أما إذا كان قد عقد عليها، وهي في عصمته، ولم يدخل بها، فإنها إذا مضى زمن يمكن إيقاع الطلاق فيه بعد التلفظ بالشرط، ولم يطلق وقعت الطلقة الأولى، ومعلوم أن غير المدخول بها إذا طلقت طلقة واحدة أصبحت أجنبية، فجاءت الطلقة الثانية فلم تصادف محلاً؛ لأن المرأة فاتت بالطلقة الأولى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49]، فالمرأة غير المدخول بها بمجرد طلاقها الطلقة الأولى تصبح أجنبية، فإذا قال لها: كلما لم أطلقك فأنت طالق، فبينه وبين الله أن الطلقة الأولى تقع إذا لم يطلق بعد الصيغة مباشرة، والطلقة الثانية تقع كذلك، والطلقة الثالثة تقع كذلك، فإذا طلقت الطلقة الأولى؛ فإن الطلقة الثانية تأتي على محل غير قابل للطلاق، وهكذا الطلقة الثالثة فلا تقع الثانية، ولا الثالثة.
فالخلاصة: (كلما) إذا أضيفت لصيغة النفي؛ يقع الطلاق بعدها مباشرة، كبقية الأدوات غير (إن) هذا الحكم الأول، والحكم الثاني: أنها تقتضي تكرار الطلاق بتكرار الصفة المشروطة، فالطلاق يتكرر، وتبين المرأة من عصمته إن كانت مدخولاً بها، فإن كانت غير مدخول بها؛ فإنها تطلق طلقة واحدة، وتبين بها، وتصبح أجنبية، فترد الطلقة الثانية والثالثة على غير محل، فيكون وجودهما وعدمهما على حد سواء.
فـ (كلما) توافق الأدوات المتقدمة في أن الطلاق يقع بعدها إذا مضى وقت يمكن أن يقع فيه الطلاق، ولم يوقع الطلاق، فتطلق عليه المرأة في صيغة النفي، وتخالف (كلما) بقية الأدوات في أنه يتكرر بها الطلاق إذا تكرر الشرط، إلا إذا كانت المرأة غير مدخول بها كما سبق بيانه.
قوله: (وتبين غيرها بالأولى) أي: غير المدخول بها تبين بواحدة، ومعنى تبين: أي تصبح أجنبية، وهذا ما يسمى بالبينونة الصغرى.