Q ما هو الحل لرجل متزوج ابتلي بالوسواس مع زوجته هل طلقها أم لم يطلقها، علماً بأنه يأتيه الوسواس عن طريق طلاق الكناية خاصة، وبغيره من أنواع الطلاق؟
صلى الله عليه وسلم الوسوسة ابتلاء من الله، والعبد المؤمن يسلط الله عليه الشيطان، فإن كمل إيمانه وعظم يقينه وإحسانه فإن الله يبتليه بالوساوس والخطرات ليكفر بها السيئات ويرفع بها الدرجات، ولكن مع عظم هذه الوساوس وشدتها فإن الله يثبت قلوب المؤمنين والمؤمنات.
ومن ابتلي بشيء من الوسوسة فالواجب عليه: أولاً: أن يفر من الله إلى الله، وأن يسأل الله في دعائه، وأن يبتهل إليه في مناجاته أن يرفع عنه البلاء، فإنها بلوى {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم:58].
ثانياً: أن يعلم أن من أنجع الأدوية للوسوسة أن لا يفتي نفسه، وأن يجعل بينه وبين الله من يرضى أمانته ودينه فيسأله، ما لم تزد الوسوسة عن حدودها، بحيث يكون الأمر خارجاً عن حد معقول، فهذا له حكم خاص.
فإذا كانت وسوسة يدخل بها عدو الله بالتلبيس في الصلاة وفي العبادات وفي الطاعات، فمن أفضل ما يكون أن يرتبط الموسوس بعالم، ولا يفتي نفسه البتة ويعود نفسه على هذا، فإنه إذا جاءه الشيطان وقال له: خرج منك ريح، وكان قد سأل العالم، وقال له العالم: لا تنصرف حتى تسمع صوتاً أو تشم ريحاً، فحينئذٍ سيبقى، فيقول له الشيطان: ويحك صليت بدون طهارة، فيقول: قد أفتيت ولا أعمل إلا بهذه الفتوى، فحينئذٍ يطمئن قلبه، ويرتاح، وينشرح صدره، وتذهب عنه الوساوس والخطرات.
فإن عظمت الوساوس وقال له: إن هذا الذي أفتاك لا يفتيك أن تصلي بدون طهارة، وأنت قد خرج منك شيء! فحينئذٍ يقول: إن الذي أمرني أن أتوضأ للصلاة أمرني أن أصلي بهذه الحالة.
فإن المرأة المستحاضة يخرج منها دمها وهو ناقض لوضوئها في الأصل، ومع ذلك تصح صلاتها ويعتد بعبادتها، فالعبرة بالتعبد، فإذا نظر إلى أن الأمر معتد به بالتعبد خرج عن نطاق الوسوسة.
ثالثاً: إن عظمت الوسوسة والشكوك في مسائل الإيمان ودخلت في العقيدة فليعلم أنه من كمال إيمانه أن يصرف هذه الوساوس، وأن يكرهها وأن يمقتها، وأن يعتقد فيما بينه وبين الله أنه لو كان بيده أن يدفعها لدفعها، فإذا وصل إلى هذه الدرجة فإنه من كمال الإيمان.
ففي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه أتاه الصحابة وقالوا: يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما يتعاظم أن يتكلم به) أي: من أمور الوسوسة (فقال صلى الله عليه وسلم: أوقد وجدتم ذلك؟ ذاك صريح الإيمان).
واختلف العلماء في هذا الحديث على وجهين: الوجه الأول: قال بعض العلماء: (ذاك صريح الإيمان) أي: إنكاركم الوسوسة، فمن جاءه الشيطان وقال له: أنت لست بمؤمن، الله غير موجود -والعياذ بالله- ونحو ذلك من الشكوك، وما هذا القرآن؟ وما هذه الرسالة؟ وأدخل عليه هذه الأمور، أو قال: قد شككت في ربك فأنت كافر، فيقول: أعوذ بالله، ويكره هذا الشيء ويمقته، فإن الكراهية والمقت والتذمر من صريح الإيمان (أوقد وجدتم ذاك؟) قيل: لأن الضمير ذاك عائد إلى قولهم (ما يتعاظم أن يتكلم العبد به)، أي: أننا نكره هذه الأشياء، وإنما هجمت على نفوسنا، وقذفت في قلوبنا، وإن كنا لا نرضاها، ولا نعتقدها، فأصبح الجحود والإنكار لها محض الإيمان ومن صريح الإيمان.
الوجه الثاني: قيل: ذاك، أي: أن تسلط الشيطان عليكم يكون بقدر قوة الإيمان، ومن كمل إيمانه وعظم إيمانه جاءه الشيطان من جهة العقيدة، ومن كان مطيعاً مستقيماً محباً للصلاة يوسوس له الشيطان، فبقدر حبه للطاعات يأتيه الشيطان يوسوس، وهذا لا يعني أنه لا إيمان إلا بالوسوسة، وإنما المراد أن العبد إذا قوي إيمانه بالله عز وجل، ودخلت عليه الوسوسة وهجمت عليه في التوحيد، فليعلم أن هجومها في التوحيد والإيمان مع الإنكار ابتلاء من الله لقوة إيمانه، وأنه إذا كان محافظاً على الصلوات دخل عليه الشيطان من جهة الصلاة فأفسد عليه صلاته ولبس عليه طهارته.
وعماد الخير كله وجماعه كله تقوى الله عز وجل، ومن اتقى الله جعل له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، فإذا وفق الله من ابتلي بهذا البلاء للدعاء والاطراح بين يدي الله والتضرع إليه سبحانه فإن الله يرفع درجته، ومن نزل به البلاء وحل به العناء فأنزل حاجته بالله أوشك أن يجعل الله له من ذلك البلاء فرجاً عاجلا.
وأما من نزل به البلاء فالتفت يميناً وشمالاً وانصرف عن ربه؛ فذلك من أول علامات الخذلان، ولن يجد له من دون الله نصيراً ولا ظهيرا.
بالنسبة للسؤال: الوسوسة في الطلاق تكون على صور: منها: هل تلفظ أم لا؟ فإذا دخل عليه هذا الوسواس فالأصل أنه لم يتلفظ، وإن عرف من قرائن حاله أن الشيطان دخل عليه في ذلك، فإن مثله لا يُفتى بوقوع الطلاق عليه؛ لأنه مغلوب على أمره، وإذا غلبت الوسوسة فلا يحمل الإنسان ما لا يطيق، فلو طلقنا عليه زوجته؛ لم يتزوج زوجة إلا طلقت عليه، ومثل هذا أمره ليس في يده.
وهكذا إذا عظمت الوسوسة في الصلوات والطاعات والعبادات، حتى أن بعض العلماء في بعض الأحيان يكاد يحكم بكون المكلف غير مكلف، سئل بعض العلماء وقيل له: رجل يصلي أكثر من خمسين مرة، ويعتقد أنه لم يصل، وكلما صلى اعتقد أنه لم يصل، فقال له: أرى أنه ليس عليك صلاة، لأنك إذا وصلت إلى درجة أن تصلي وتعتقد أنك ما صليت فقد أصبحت كالمجنون، والمجنون ليس مكلفاً بالصلاة، هذا وجه بلوغه إلى حال لا يكلف فيها، لأنه تكليف بما لا يطاق وخروج عن سنن الرحمة التي بعث بها عليه الصلاة والسلام.
والله تعالى أعلم.