يقول رحمه الله: [وأدوات الشرط إن].
قوله: (إن): هذه تعتبر أُم الأدوات، وهي تدل على محض الشرطية، وقال بعض العلماء: لا علاقة لها بالزمن، ومن المعلوم -كما تقدم معنا- أن هناك شرطاً وجزاء للشرط معلق على وجود هذا الشرط، ومعنى ذلك إذا قال لزوجته: إن قمتِ فأنتِ طالق، فمعناه: أنه رتب طلاق زوجته على وجود القيام.
وبناءً على ذلك فلابد من وجود فعل الشرط وجواب الشرط وأداة تربط بين الجملتين، وإذا عبر بأداة (إن)، فإنه تارة يعبر بالإثبات وتارة يعبر بالنفي، فيقول لزوجته: إن تكلمت فأنتِ طالق، إن قمتِ فأنتِ طالق، إن ذهبتِ إلى أبيكِ فأنتِ طالق.
ونحو ذلك، هذا كله متعلق بالإثبات، فإن وجد القيام أو وجد الكلام أو وجد الخروج من حيث الأصل فإنه يُحكم بالطلاق، هذا بالنسبة للإثبات.
وأما في النفي فنحو: إن لم تقومي فأنتِ طالق، إن لم تتكلمي فأنتِ طالق، إن لم تذهبي إلى أبيك فأنتِ طالق، فهذا نفي، فهذه الأداة فيها ما يتعلق بالإثبات وفيها ما يتعلق بالنفي، وكل منهما له حكم، ففي الإثبات لنا حكم، وفي النفي لنا حكم آخر.
قلنا: إن عندنا فعل الشرط: إن قمتِ، وجواب الشرط: فأنتِ طالق، هذا الجواب يترتب بالفاء لقوله: فأنتِ طالق، فمن حيث الأصل إن قال لها: إن قمتِ فأنتِ طالق.
فلا إشكال في اعتبار الصيغة، ويربط بين جملة فعل الشرط وجواب الشرط بالفاء، لكن لو قال لها: إن قمتِ أنتِ طالق.
فهذا محل خلاف بين العلماء رحمهم الله، قال بعض العلماء: إن قال لها: إن قمتِ أنتِ طالق.
فإننا لا نعتبر الجملة الثانية وهي قوله: أنتِ طالق؛ مرتبة على قوله: إن قمتِ.
لعدم وجود الفاء، وبناءً على ذلك تطلق عليه مباشرة؛ لأنهم لا يرون الربط بين الجملة الأولى والجملة الثانية، فيقولون: كأنه قال لغواً: إن قمتِ، وقوله: أنتِ طالق، بعد ذلك كلام يستأنف ويوجب وقوع الطلاق على البت والتنجيز.
واختار طائفة من العلماء كالإمام ابن قدامة، وبعض أصحاب الإمام الشافعي أنه إذا قصد الشرط فإنها لا تطلق عليه إلا إذا قامت، ويغتفر حذفه للفاء؛ لأن الأمر مستقر في نفسه ونيته، فكأنه قال: إن قمتِ فأنتِ طالق، كما لو جاء بالفاء، وهذا هو الصحيح لأنه قصد الشرطية.
يبقى عندنا سؤال حين قلنا هنا: إن وجود الحرف الفاء وانتفاءه مؤثر في الصيغة، وقلنا: إن النية أقوى، يرد
Q لو أن رجلاً قال لامرأته: إن قمتِ فأنتِ طالق.
هل نجعل طلاق المرأة موقوفاً على القيام مطلقاً؟ أو فيه تفصيل؟
صلى الله عليه وسلم إذا قال لامرأته: إن قمتِ فأنتِ طالق فله ثلاثة أحوال: الحالة الأول: أن يقصد ترتيب الجملة الثانية على الجملة الأولى، أو ترتيب الشرط على المشروط، فإذا وجد الشرط وجد المشروط، فإذا قصد الشرطية وقال لها: إن قمتِ فأنتِ طالق، ونوى في قلبه أنها لا تطلق إلا إذا قامت فإنها لا تطلق إذا لم تقم، وذلك لأن اللفظ يدل على الشرطية، وجاءت نصوص القرآن باعتبار الشروط كما سنبين، كقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة:6] اشترط الله عز وجل وجود طلب الجوار، وأمر وحكم بأنه مجار بذمة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على اعتبار صيغة الشرط، وترتب الحكم عليها، فهو إذا قال لها: إن قمتِ فأنتِ طالق.
وفي نيته أنها لا تطلق إلا إذا قامت؛ يتوقف الطلاق على وجود القيام، هذه الحالة الأولى.
الحالة الثانية: أن يكون مقصوده إيقاع الطلاق مباشرة، فلو قال لها: إن قمتِ فأنتِ طالق.
وفي نيته أنها طالق فوراً ألغينا قوله: إن قمتِ.
وأوقعنا الطلاق بقوله: أنتِ طالق، وعلى هذا لا تؤثر صيغة الشرطية لأنه تلفظ بالطلاق، ونوى الطلاق على التنجيز فلا يحكم بالتعليق، إذاً عندنا حالتان متقابلتان: الأولى: أن ينوي الشرط ويقول: إن قمتِ فأنتِ طالق.
ومراده أنها لا تطلق إلا إذا وجد القيام، فبإجماع العلماء من حيث الأصل أنها لا تطلق إلا إذا قامت.
ثانياً: إذا قال لها: إن قمتِ فأنتِ طالق.
قاصداً بت الطلاق ووقوعه مباشرة، طلقت عليه مباشرة، ولم يلتفت إلى قوله: إن قمت أو قعدت أو غير ذلك من الشروط.
الحالة الثالثة: إذا لم ينو الشرطية، ولم ينو البت في الطلاق وتنجيزه، قال لامرأته: إن قمتِ فأنتِ طالق.
قلنا: يا فلان ما الذي قصدت؟ قال: ما دار بخلدي شيء، أتيت بهذا اللفظ وقلت لزوجتي: إن قمتِ فأنتِ طالق.
قلنا: هل قصدت أن الطلاق يقع فوراً؟ قال: لا.
قلنا: هل قصدت الشرطية؟ قال: لا.
إذاً يحكم بالظاهر، ويعتد باللفظ على ظاهره ويؤاخذ به، ولا نلتفت إلى كونه قصد الطلاق أو لم يقصده؛ لأن الشرع في الهازل الذي لم ينو الطلاق اعتد بظاهره وأسقط الباطن، وفي هذه الحالة أيضاً إذا لم يقصد الشرطية ولم يقصد تنجيز الطلاق نحكم بظاهر قوله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس وأن أكل سرائرهم إلى الله) فظاهر لفظه أنه لفظ يقع فيه الطلاق بشرط معين، فنقول: بينك وبين الله إن وقع هذا الشرط أمضينا عليك الطلاق، وإلا فلا.
فهي ثلاثة أحوال: أولاً: أن يقصد الشرط، اعتد به وأخذ بظاهر قوله، فاجتمع الظاهر والباطن على الشرطية ولا إشكال.
ثانياً: أن يقصد التنجيز والإيقاع فوراً، والصيغة لا يلتفت إليها ولا يعتد بها فيمضي عليه طلاقه.
ثالثاً: أن لا يقصد شيئاً من الأمرين فنقول: إنه تلفظ بالطلاق، وحينئذٍ ننظر إلى ظاهر لفظه، فنؤاخذه على ظاهر اللفظ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس).
مسألة أخيرة في (إن قمتِ) -وبعضهم يجعلها مطردة في أدوات الشروط كلها- من حيث الأصل يعبرون بقوله: إن قمتِ، وإذا قمتِ، إذا قال لها: إن قمتِ فأنتِ طالق.
هل نطلقها بمجرد الارتفاع للقيام؟ أو بعد تمام القيام؟ عندنا شيء هو الابتداء بحيث يوصف الإنسان بأنه ابتدأ في المحذور، وعندنا شيء هو تمام المحذور بحيث نصفها بأنها قد قامت فعلاً ودخلت فعلاً، وقد كتبت، مثلاً: قال لها: إذا ولدتِ فأنتِ طالق، فهل نطلق في ابتداء الولادة؟ أو نطلق بتمامها؟ وهل نطلق بابتداء الدخول؟ أو بانتهائه وتمامه وكماله؟ لو قال لها: إذا حملت هذه الصخرة فأنت طالق، وهي حامل وجاءت تحمل الصخرة، فلما انتصبت لحملها أسقطت جنينها، وهو مكتمل الخلقة فهل يعتد بسقوطه، وتخرج من العدة؟ إن قلت: إنها تطلق بابتداء الشروع، فقد خرجت من عدتها بالولادة؛ لأنها قد وقعت بعد استيفاء الشروط، وإن قلت: إنها لا تطلق إلا بعد تمام حمل الصخرة واستتمامه والوقوف به، فحينئذٍ يكون سقوط الحمل الموجب للخروج من عدة الطلاق سابقاً للطلاق فلا يعتد به، ويحكم بكونها مطلقة بعد تمام الحمل.
هذه مسألة: هل يطلق بابتداء الصفة أو بتمامها وكمالها.