قال رحمه الله تعالى: [وأدوات الشرط: إن وإذا ومتى وأي ومن وكلما وهي وحدها للتكرار، وكلها ومهما بلا لم أو نية فور أو قرينة للتراخي، ومع لم للفور إلا إن مع عدم نية فور أو قرينة].
هذه الشريعة شريعة كاملة، وفصّل الله عز وجل فيها كل شيء تفصيلا، فهي شريعة تقوم على إعطاء كل شيء حقه وقدره، حتى الألفاظ التي يتلفظ بها المسلم: إن كانت بالطلاق منجزاً حكمنا بكون الطلاق منجزاً، وهذا هو لفظه، وهذا هو الذي بينه وبين الله: أنه يطلق امرأته طلاقا منجزا، وإن تلفظ بلفظ وكان اللفظ دالاً على التعليق فبينه وبين الله أن امرأته تطلق إذا وُجِدت هذه الصفة، أو وجد هذا الزمان أو وُجد هذا الحال الخ.
فإذا قلنا: إن كل لفظٍ وكل حرف وكل جملة لها معنى ولها دلالة، فلا بد أن نعطي كل زوجٍ حقه فيما تلفظ به من صيغ الطلاق، وصيغ التعليق تكون بحروف الشرط: إن وإذا ومتى ومن ومهما وكلما وأي ونحوها من أدوات الشرط، فينبغي أن تعطى كل أداة دلالتها، فتوجد أدوات تدل على الشرط، وهناك أدوات تدل على الشرط المقترن بالزمان، وأدوات تتمحض في الزمان؛ ولذلك يختلف الحكم بحسب اختلاف هذه الأدوات، ودلالتها، وما وضعت له في أصل اللغة، وقد قرر جمهور العلماء من الأصوليين أن اللغة من وضع الشارع سبحانه وتعالى، فلا يستطيع أحد أن يأتي بصيغة أو بلفظ أو بجملة لها دلالتها في اللغة ويصرفها عن هذه الدلالة.
مثلاً: لو قال: إن قمت فأنت طالق، قلنا له: إذا قامت طلقت قال: لا، أنا أقصد بهذه الصيغة التمجيد، نقول: هذا قصدك لك أنت، لكن من ناحية وضع اللغة ووضع الألفاظ فإن هذه الألفاظ وضعها الشارع دالة على هذه المعاني، فيؤاخذ بلفظه، واستدل جمهور الأصوليين على هذا بقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلّهَا} [البقرة:31]، فأصل اللغة أنها من وضع الشارع، فلو أن شخصاً قال: والله لا أكتب، فقلنا له: إذا كتبت لزمتك كفارة اليمين قال: لا، أنا أقصد: لا أسوق السيارة أو لا أخرج من البيت، نقول: إن الكتابة وضعت للدلالة على هذا المعنى الذي يجري به البنان بحروف معينة، فإذا وقعت منك الكتابة على هذه الصفة فحينئذٍ تلزمك اليمين وعليك الكفارة، وكونك تقصد شيئاً آخر هذا لك أنت، لكنه لا يؤثر في الأحكام الشرعية.
ولهذا ينبغي على الفقيه وعلى العالم أن يقف مع كل حرف وكل صيغة فيما تدل عليه، فهذا كتاب الله عز وجل، قد جاء بصيغة الشرط وجاء بدلالاتها ومعانيها، فلا بد من التقيد بهذه الدلالات والمعاني.