Q إذا عقد على امرأة وقال: أنت طالق إلى شهر، ألا يشكل عليه أنه من نكاح المتعة، ولو لم يكتب في صلب العقد؟
صلى الله عليه وسلم باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فينبغي التفريق بين صيغة العقد، وبين الصفة أو الحال التي يقع بها الطلاق بعد العقد.
فإذا جئت تقول: إن هذا نكاح متعة، فينبغي أن يكون العقد عقد متعة، وهنا أحب أن أنبه على فائدة: ما الذي جعل العلماء يتكلمون على المصطلحات المتعلقة بأبواب الفقه؟ ما الذي جعلهم يعرفون صيغة العقد؟ يعرفون العقد؟ لأنك إذا قلت: هذا عقد شغار، فلا بد أن تكون الصيغة التي يتركب منها العقد-الإيجاب والقبول- مبنية على الشغار، إذا قلت: هذا نكاح متعة، عقد متعة، زواج متعة، ينبغي أن يكون الإيجاب والقبول مبنياً على هذه الصيغة المعتبرة للمتعة، لكن إذا كان الإيجاب والقبول خالياً من ذلك، والعقد تركب بأركانه وشروطه سالماً من ذلك؛ تقول: هذا عقد شرعي، وكونه بعد ذلك يعلق طلاقاً، أو يوقع طلاقاً بساعة أو بلحظة، أو يقول لها: أنت طالق الآن، لا نقول: إنه نكاح متعة، فهناك فرق، لأنك إذا قلت: إنه نكاح متعة؛ فمعنى ذلك: أن المرأة لا تستحق المهر، ومعنى ذلك: أن المرأة لا تستحق شطر المهر إذا كان لم يدخل بها، ولا تستحق المهر كاملاً إذا كان قد دخل بها، ولا يترتب عليه أحكام العدة كالطلاق، والحداد، فالرجل عقد على المرأة عقداً شرعياً، مستوفياً للأركان والشروط، ثم بعد أن أتم العقد قال لها: أنت طالق إلى شهر، فليس بنكاح متعة، بل هذا تطليق واقع بعد تمام الصيغة التامة الكاملة المعتبرة في الشرع، ولا يجوز أن نصفه بالمتعة فنسقط حقوق المرأة، ونسقط حقوق الطلاق، وينبغي على طالب العلم أن يكون عنده دقة، إذا كان العقد مبنياً على صيغة صحيحة؛ فالله أمرنا أن نحكم بصحته، ولماذا تجد العلماء يقولون: الأحكام الوضعية هي العلامات والأمارات التي نصبها الشرع ووضعها للحكم بصحة العبادة، وبطلانها، ووجوبها، ولزومها، وغير ذلك مما هو معروف في الأحكام الوضعية؟ فما وضعه الشرع علامة على صحة العقد؛ حكمنا بصحته، وما وضعه علامة على فساده؛ حكمنا بفساده، بشرط وجوده أثناء العقد، لكن كونه يحصل شيء بعد العقد فهذا لا يؤثر، مثلاً: الرجل -ولي المرأة- قال له: زوجتك ابنتي فلانة، قال: قبلت، بعشرة آلاف، وتم العقد، وتم الإيجاب والقبول، ثم بعد أن تم العقد مباشرة قال لها: أنت طالق إلى شهر، نقول: ننتظر إلى شهر، وهي زوجته، يجوز له أن يستمتع بها، وله حقوقه ولها حقوقها الزوجية لمدة شهر، ثم إذا مضى الشهر؛ حكمنا بالطلاق، فهذا ليس بنكاح متعة، ولا يأخذ حكم المتعة؛ لأن العقد ما قام على متعة، ولم يقم على التحديد أصلاً، وهذا الذي جعل بعض العلماء يقول: إنه إذا تزوج المرأة وفي نيته أن يطلقها، فإنه عقد، والشرع يحكم على الظاهر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس) فنأخذ بالظاهر أنه إيجاب وقبول، وشروطه مستوفية وعقده مستوفٍ، فلو نوى الطلاق بعد شهر، أو بعد شهرين، فلا تأثير لهذا في صلب العقد، ولا تأثير له في الأركان والواجبات، لأن المعتبر الحكم بصحة العقد، فنحكم بكون العقد صحيحاً، وقد يموت قبل أن يطلقها، فلا يمكن أن نحكم بأنه زواج متعة، ولذلك يقولون: ينبغي أن يفرق بين الظاهر وصيغة العقد، وترتب العقد على الوصف الموجب لصحته، وبين كونه ترتب على وصف أو رُتب على وصف يقتضي بطلانه وعدم صحته، وعلى هذا فالعقد صحيح، ولا يُحكم بكونه متعة.
ويرد الإشكال: ما الفرق بين هذه الصيغة وبين المتعة؟ الفرق واضح: أن النكاح بالمتعة مقيد بهذا الذي ذكرناه، فبمجرد مضي الشهر لا هي زوجته ولا هو زوجها، هذا نكاح المتعة، إذا مضت المدة مباشرة ينفسخ النكاح، ولا يحتاج إلى طلاق ولا غيره، وأما بالنسبة للنكاح الذي معنا؛ فإن هذا النكاح لا ينفسخ مباشرة، حتى لو وقع الطلاق، إلا إذا كانت غير مدخول بها، فتكون طلقة بائنة، لكن إذا كانت مدخولاً بها، مثلاً: تزوجها ودخل عليها، ثم مباشرة قال لها: أنت طالق إلى شهر، فإن لها عدة، وتعتبر مدخولاً بها، وتبقى بعد مضي مدة الطلاق، فهناك فرق واضح، والفرق يظهر أكثر إذا دخل بها فيما بين العقد وبين تلفظه بالطلاق.
والله تعالى أعلم.