قال رحمه الله تعالى: [وأنت طالق اليوم إذا جاء غد؛ لغو] الغد لا يمكن أن يأتي بنفسه، وهو يقول لها: أنت طالق، بشرط أن يأتي غد في هذا اليوم، (أنت طالق اليوم إذا جاء غد) ولا يمكن أن يأتي في هذا اليوم، فحينئذ يكون من اللغو، ولا يقع الطلاق.
وهذا من دقة المصنف رحمه الله، ولماذا ذكر كلمة: أنت طالق اليوم إذا جاء غد؟ نبهنا غير مرة أن العبرة بفهم القاعدة والضابط؛ حتى نستطيع أن نفهم كيف استخرج العلماء مثل هذه الصور العجيبة الدقيقة.
حينما قلنا: إن تعليق الطلاق على المستحيل مستحيل، ويوجب الحكم بعدم وقوع الطلاق، قد يكون المستحيل بالصفات، فهو إذا قال لها: أنت طالق إن طرت، فلا يمكن أن تطير، وأنت طالق إن قلبت الحجر ذهباً؛ لا يمكن، فكما أن المستحيل يكون في الأعيان والذوات، كذلك يكون في الأزمنة، فجاء بالمستحيل في الزمان، كأن يقول: أنت طالق اليوم إن جاء غد، وأنت طالق الشهر -مثلاً- ربيع إن جاء جمادى، وما يمكن أن يأتي جمادى في ربيع، وإدخال الزمان على الزمان مستحيل، فكما أن الاستحالة في الصفات، والذوات، والأحوال، والأشخاص، فكذلك ربما تقع في الأزمنة، ولذلك جاء بصيغة مركبة على وجه يُفهم منه الاستحالة, ولا يمكن أن يقع هذا الشيء على هذه الصورة: أنت طالق اليوم إن جاء غد، فإنه لا يمكن أن يكون الغد إلا بزوال اليوم، وعلى هذا فلو علق الطلاق بمجيء الغد قبل زوال اليوم، فقد علق على مستحيل، والتعليق على المستحيل مستحيل.