قال رحمه الله: [وإن قال: حلفت بالطلاق، وكذب؛ لزمه حكمه] أي: إذا قال الزوج للقاضي أو قال لأهل امرأته: حلفت بالطلاق، وهو لم يحلف بالطلاق، فإنه يؤاخذ بظاهره، هذا ما ذكرناه عند كلامنا عن طلاق الديانة وطلاق الحكم، وطلاق الظاهر وطلاق الباطن، كل هذا من هذا الباب؛ لأنه قد تطلق المرأة ديانة فيما بين الإنسان وبين الله، كأن يطلقها وهو جالسٌ لوحده، فيطلقها الطلقة الثالثة والأخيرة ولم يخبرها، فهي حرام عليه ويصبح -والعياذ بالله- زانياً، ولو اعترف عند القاضي لرجمه؛ لأنه وطئها وهي محرمة عليه كالأجنبية، وقد أحصن فيرجم.
فهنا ينفذ الطلاق ديانة، وفي الظاهر ما أحد يعلم؛ لأنه كتمه ولم يخبر به؛ فهي حرام عليه ديانة، فلو أخبر القاضي تحرم عليه ديانة وقضاءً.
والعكس: فتحرم عليه قضاءً، ولا تحرم عليه ديانة؛ كأن يقول لها: أنت طالقة، وقصد طالعة، فسبق لسانه وقال: طالقة، فشهد الشهود أنه قال لامرأته: أنت طالقة، وقال: قصدت طالعة، فأخذ القاضي بالظاهر وطلقها عليه، فإنها تطلق حكماً ولا تطلق ديانة، فلو وطئها فإنه يطأ حلالاً عليه، لكن لو ارتفع للقاضي أنه وطئها، وكانت الطلقة الأخيرة وشهد الشهود، وقضى القاضي أنها طلقة، فطلقت عليه قضاءً، فجاء وعاشرها بعد تطليق القاضي له، فإن علم القاضي رجمه، ويصبح في هذه الحالة شهيداً كالذي شُهد عليه بالزنا ظلماً وقتل، فالقاضي يحكم عليه بحكم الزاني ويرجمه، ولكن أمره إلى الله عز وجل، فهذا معنى الحكم قضاءً والحكم ديانة.
فهنا إذا قال: حلفت بالطلاق وهو كاذب، وهذا ليس بصحيح، وأخبره بشيء لم يقع؛ فحينئذٍ لا تطلق ديانة وتطلق قضاءً.