قال رحمه الله: (ولا سنة ولا بدعة لصغيرة) أي: إذا طلق الصغيرة التي لم تحض بعد؛ فإن طلاقه لها لا يوصف بكونه سنياً ولا يوصف بكونه بدعياً؛ لأن الصغيرة لا تحيض، وطلاق السنة متعلقٌ بالحيض، بحيث يطلقها في طُهرٍ لم يجامعها في ذلك الطهر، فالمفسدة والضرر المترتب على التطليق في الحيض أو المفسدة والضرر المترتب على التطليق في حال طُهرٍ جامعها فيه غير موجودة في حال التطليق للصغيرة، فالصغيرة لا تحيض، فلا تطول عليها العدة، ولا يخشى أن تكون حاملاً، فهو إذا طَلق طلق على بينةٍ من أمره؛ ولذلك تقول: الصغيرة ليس فيها المحابيل.
مثال ذلك: رجلٌ تزوج بنت سبعٍ أو بنت ثمان أو بنت تسع سنين أو بنت عشر سنين ولم تحض بعد، فهذه التي لم تحض بعد إذا كانت في سن العاشرة -مثلاً- ولم تحض بعد، فإنه يطلقها ولن تطول عليها العدة؛ لأن عدتها بالأشهر، فبعد طلاقه لها ستحسب الأشهر وينتهي الإشكال وهي ليست بحامل، فلا يخشى أن تكون ليست بطاهر؛ لأن الطلاق في الطهر الذي جامعها فيه كان بدعة لخشية أن تصبح حاملاً فيندم على طلاقها؛ ولذلك قال الصحابة -رضوان الله عليهم- كما هو مأثورٌ عن علي وابن مسعود رضي الله عن الجميع: (لا يطلق أحدٌ للسنة فيندم)، أي: لا يطلق أحد طلاق السنة ويكون نادماً؛ لكن لو طلق طلاقاً بِدعِياً في طهرٍ جامعها فيه لاحتمل أن تكون المرأة حاملاً منه فيندم؛ لأنه كيف يطلقها وهي ستصير أماً لولده، لأنها ستنجب، فكيف يحصل الفراق بينه وبين أمٍ لولده؟ فقد يقدم الرجل على طلاق امرأةٍ لم تنجب بعد، ولكنه لا يقدم لو علم أنها حامل أو أن ولده سيكون منها.
وعلى هذا فإن هناك ثلاثة أنواع من النساء: الصغيرة، والكبيرة الآيسة التي لم تحض بعد، وغير المدخول بها، وفقه المسألة يدور حول طول العدة وخشية أن تكون المرأة حاملاً كما ذكرناه في علة المنع من تطليق المرأة الحائض.
قال رحمه الله: (ولا سنة ولا بدعة لصغيرة).
هذا القسم الثالث: (لصغيرة) أي: في تطليق صغيرة لم تحض بعد.
والدليل على أن طلاق الصغيرة لا سنة ولا بدعة فيه: قول الله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1]، والصغيرة ليس لها حيض حتى يقال: (لقبل عدتهن) على التقدير في الآية؛ لأن آية الطلاق فسرتها السنة، وقد ذكر أئمة وعلماء التفسير والتأويل رحمةُ الله عليهم من السلف وغيرهم أن هذا من تفسير السنة للكتاب؛ فإن الله تعالى لما قال: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1]، جاءت السنة مفسرةً مبينة لهذا الطلاق الشرعي وأن المراد بقوله سبحانه: (لِعِدَّتِهِنَّ) أي: لقبل عدتهن، أي: مستقبلات عدتهن وذلك بطهرٍ لم يجامعها فيه، ولا يطلقها في حال الحيض.