والوكيل له حالتان: الحالة الأولى: أن يوكل وكالةً مطلقة، والحالة الثانية: أن يوكل وكالةً مقيدة، وهو أي: الوكيل، ينزل منزلة الموكل، فبإجماع العلماء أن من وَكَّلَ شخصاً في تطليق زوجته فإنه ينفذ طلاقه كطلاق الزوج، ويكون نفوذ الطلاق في حدود الوكالة، وزمان الوكالة ومكانها إذا قيدت بالزمان أو المكان، وعددها إن قيدت بالعدد؛ فإذاً (وكيله كهو)، أي: وكيل الزوج كالزوج في الطلاق، ينفذ طلاقه إذا وكله وكالةً صحيحة.
وهناك: المفوض، الشخص الذي يُفوض بالطلاق، فالوكيل يتقيد، والمفوض لا يتقيد، ولذلك ربما أنه لو مات الموكِل انفسخت الوكالة؛ لكن في التفويض لا تنفسخ؛ ولذلك المفوض أقوى من الموكل، فمن فُوّض إليه الأمر ليس كالوكيل، أما الوكيل كهو، أي: كالزوج.
فالتوكيل إما أن يكون مطلقاً، وإما أن يكون مقيداً، يقول له: وكلتك في تطليق زوجتي فلانة، هذا توكيل بالطلاق لزوجةٍ معينة، وهذا إن كان عنده أكثر من زوجة، وربما يُطلِقُ له ويقول: وكلتك في تطليق نسائي بما شئت ومتى شئت، فهذا توكيل عام، ويكون الوكيل فيه له حق الطلاق عموماً.
أما التوكيل المقيد: فإنه يتقيد بالزمان ويتقيد بالمكان ويتقيد بالعدد ونحو ذلك.
يتقيد بالزمان كأن يقول له: وكلتك في تطليق زوجتي اليوم، فإذا انتهى اليوم وغابت شمسه، انفسخت الوكالة؛ فإن لم يطلق قبل غروب الشمس فلا طلاق، وإن طلق قبل الغروب؛ فإنه ينفذ طلاقه ما لم يفسخ الزوج تلك الوكالة.
إذاً: إذا قيد بالزمان فلا يقع الطلاق إلا في حدود الزمان، فإن وقع الطلاق بعد الزمان الذي قُيد به لم ينفذ، وإن وقع في أثنائه نفذ إلا أن يكون الموكل قد فسخ الوكالة.
ويتقيد بالمكان، يقول له: وكلتك أن تطلق زوجتي في هذا المجلس، فيتقيد بالمكان وما دام أنه في المجلس ينفذ عليه الطلاق، فإن فارق المجلس لم ينفذ عليه الطلاق، وهو موكل بالطلاق ما لم يفسخ الزوج توكيله؛ فإن فسخ الزوج توكيله فإنه ينفسخ، ويكون وجود طلاقه وعدمه على حدٍ سواء.
ويتقيد بالعدد بالنسبة للفظ الطلاق؛ كقوله: وكلتك في تطليق زوجتي طلقةً واحدة، ويتقيد بالعدد بالنسبة للنساء، فيقول: وكلتك في تطليق زوجتين من نسائي، أو امرأتين من نسائي، فلانة وفلانة، فيحدد له، فيتقيد بطلاق هاتين، ولا يقع طلاقه إذا كان لغير هاتين المرأتين؛ فالتقييد والإطلاق معتبر، فالوكالة للطلاق تصح مطلقةً وتصح مقيدةً.
وعلى الوكيل أن يتقي الله عز وجل، فالوكالة ليست بمحل للتلاعب والإضرار والإساءة والأذية، فإنه إذا وُكل إليه الطلاق فعليه أن ينصح وأن يتقي الله عز وجل، وهذا كثيراً ما يقع بين الولد مع والده، فيقول له: وكلتك أن تطلق امرأتي، فعلى الوالد أن يتقي الله في ولده، ولربما يقع بين الأخ وأخيه مشاكل بسبب الزوجات فيقول أحدهما لأبيه: وكلتك؛ فعلى الأب أن يتقي الله؛ لأن الله عز وجل جعل الطلاق من حدوده، وحذر عباده أن يستخفوا بهذه الحدود وأن يتعدوا محارم الله فيها.
فعلى المسلم أن يتقي الله سواءً كان أصيلاً -زوجاً- أو وكيلاً، فالطلاق أمره عظيم، ومن النصيحة أن يحس أن هذه المرأة كأنها ابنته وكأنها أخته، فهل يرضى طلاقها؟ فعليه أن ينظر في الأصلح وأن يتقي الله عز وجل وأن ينصح لمن وكله.
قوله: (ويطلق واحدة) ويطلق واحدةً إن قال له: واحدة، والأصل يقتضي أن له أن يطلق الطلاق كله ثلاث تطليقات، ويملك الثلاث كما يملكها الأصيل (الزوج)؛ لأن القاعدة: أن الوكيل منزلٌ منزلة الأصيل (الزوج).
فإذا قال له: وكلتك في تطليق نسائي وأطلق، فلو طلق ثلاثاً مضت ثلاثاً، ولو طلق طلقتين مضت طلقتين، وأما لو قيد له ذلك وقال: وكلتك أن تطلق نسائي طلقةً واحدة فلا إشكال، ويتقيد بهذه الواحدة.
وقوله: (ومتى شاء).
أي: إن أطلق له، أما لو قيد وقال له: وكلتك مدة جلوسك في المجلس، وكلتك أن تطلق امرأتي في هذا المجلس فليس متى شاء؛ إنما يكون مقيداً بتقييد الأصيل -الزوج- له.
قال رحمه الله: [إلا أن يعين له وقتاً وعدداً].
كما ذكرنا.