فقال رحمه الله: (ومن أكره عليه) أي: على الطلاق، (ظلماً) فالإكراه ينقسم إلى قسمين: إكراهٌ بحق، وإكراه بغير حق، فالإكراه بالحق: أن يُهَدَّد ويُضغط عليه حتى يطلق المرأة وقد وجب عليه طلاقها، هذا إكراه بحق، مثل القاضي في حال الإيلاء، حينما يقول للزوج: إما أن تكفر عن يمينك وترجع إلى زوجتك وإما أن تطلقها؛ فإنه إذا طلَّقها في مجلس القضاء بالضغط عليه؛ فإنه مُكرَه، لكنه مكرَه بأمر الله ورسوله، فهو إكراه بحق.
وهكذا لو ثبت عند القاضي أن هذا الزوج أضر بالزوجة وظلمها ظلماً بيِّناً بحيث يستحق مثلها أن تطلَّق عليه، كما لو أقر أنه أتاها في دبرها أو فعل بها فعلاً تستحق به أن تُطَلَّق فسألت طلاقها، فجاءت إلى القاضي، فقال: لا أُطَلِّق، يُلزِمه القاضي بالطلاق، فأكرَهَه على الطلاق وألزَمَه به بحق.
أما بالنسبة لمن أكره عليه ظلماً، كرجل لا تستحق امرأته أن تطلق عليه، وهُدِّد إضراراً به أو إضراراً بالزوجة لكي يطلقها، كرجلٍ يريد أن ينكح امرأةً وهي مزوجة، فجاء لزوجها وهدَّده أن يطلقها، وطلقها تحت تهديده وضغطه، فأكرهه على الطلاق فهذا مكرِه وظالم، فعندنا مُكْرَه ومُكْرِه، وشيءٌ يتحقق به الإكراه، فالمكرِه -وهو اسم الفاعل- ينبغي أن يكون ظالماً حتى نُسقِط الطلاق.
أما إذا كان بحق، فلا نسقِط، فلو أن أخا المرأة جاء إلى زوج أخته التي أضر بها وظلمها ظلماً تستحق معه أن تُطَلَّق وهدده قال: الآن تطلقها، وطلقها نفذ عليه الطلاق؛ لأنه مكرَه بحق، هذا بالنسبة لقضية الإكراه بحق؛ لكن بعض العلماء يقولون: الإكراه بحق لا يقع إلا في حكم القضاء.
قوله: (ظلماً بإيلامٍ له) الشرط الأول: أن يكون الإكراه بغير حق، والشرط الثاني: أن يكون ما هُدِّد به مؤلماً، بحيث لا بد أن يكون هذا الشخص الذي هو الزوج وصل إلى درجة الإكراه، وهذا يقتضي تعذيبه في نفسه أو ولده أو من يتعذب به، كمالِه يُتلف ويُحرق أو نحو ذلك، فيُهَدد بشيء فيه ضرر، لكن لو هُدِّد بشيء ليس فيه ألم ولا ضرر عليه، كأن يقال له: طلِّق امرأتك وإلا أخذت هذا الريال منك، فأين الريال من طلاق المرأة؟ فقال: أنا مكرَه، نقول: هذا ليس بإكراه؛ لأن الريال ليس بضرر بالنسبة له؛ لكن لو كان الريال له قيمة عظيمة في بعض الأزمان وله شأن فهذا شيءٌ آخر، لكن إذا كان أمراً لا يصل إلى حد الإيلام فلا يتحقق الإكراه، فلا بد وأن يكون مؤلماً.