ثبوت الأحكام التكليفية الخمسة في الطلاق

قال رحمه الله: [يباح للحاجة ويكره لعدمها] في بداية الطلاق يرد

Q ما حكم الطلاق؟ إذ هو مشروع، لكن هل هو مباح أو مشروع مع الكراهة أو هو مستحب أو واجب؟ هذه المسألة فيها تفصيل.

ولذلك قال بعض العلماء: الطلاق تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة، فيكون مباحاً لوجود الحاجة، كرجل لم يرتح لامرأته ونَفِر منها ومن أخلاقها وطباعها فاحتاج إلى الطلاق؛ فإنه يكون مباحاً له أن يُطَلِّق، وإن صبر وتحمل فهو أفضل: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19]، وقد تكون المرأة بذيئة اللسان، أو عَصَبِيَّة المزاج، فيتضرر بهذه العصبية ويَحْدُث عنده نوعٌ من الضيق، ويكون محتاجاً للطلاق لكي يتخلَّص من هذا الضيق ومن هذا الضغط الذي يجده من عشرته لامرأته، فهو مُحتاج، فمثل هذا يباح له الطلاق، والمباح مستوي الطرفين، لا ثواب ولا عقاب، فلا أجر له إن طلق، ولا إثم عليه إن طلق.

قوله: (ويُكره لعدمها) كأن تكون عنده امرأة مستقيمة وهو مرتاحٌ معها وأراد أن يطلق، فيقال له: الطلاق في حقك مكروه، وقال بعض العلماء: إنه يَحرُم إذا كان فيه ضررٌ على المرأة في هذه الحالة إذا لم يكن له حاجة، وكما أن المرأة لا يجوز لها أن تسأل الطلاق من زوجها من دون بأس؛ كذلك لا يجوز للرجل أن يطلق من دون بأس.

وقد تكون الحاجة التي تبيح الطلاق ماسة، كأن يكون الرجل عنده أربع نسوة وهو شديد الشهوة، وأكثر نسائه كبيرات في السن، فأراد أن يُطَلِّق واحدةً لكي يتزوج فيحصِّن نفسه عن الحرام، فهذا مُحتاج وعنده حاجة فيُبَاح له، ونحو ذلك من المسائل.

قال رحمه الله: [ويستحب للضرر] كالمرأة التي تُضِر بزوجها، فتؤذيه بلسانها وكلامها، فتضرَّر الرجل منها من ناحية أذيَّتها له، أو أذيتها لقرابته كأخواته أو بناته من المرأة السابقة أو نحو ذلك، فهذا كله مما يوجَد فيه الضرر عليه وتوجد بسببه الحاجة، فيُشْرع له أن يطلِّق، ويكون الطلاق مستحباً، أي: مندوباً إليه، والسبب في ذلك: أن الشّرع قَصَد رفع الضرر، فإذا كان بقاؤها فيه ضرر، وتطليقها يدفع هذا الضرر، فإن دفع الضرر مستحبٌ شرعاً، فالوسائل تأخذ حكم مقاصدها.

كذلك يكون الطلاق مستحباً ومندوباً إليه، وذلك فيما إذا كان الرجل ضعيفاً والمرأة شابة، ولم يعطها حقها الذي يحفظها به من العفة، ويشعر أنه مضيقٌ عليها ومقتِّرٌ لها، وأنها إذا عاشرت غيره فإن ذلك أرحم بها وأَرْفَق، فيكون مستحباً له أن يدفع الضرر عنها، وهكذا إذا كانت عندها بعض المعاصي التي لا توجب الحكم بوجوب طلاقها؛ فإنه يكون مستحباً؛ لأنه ربما نقلت هذه المعاصي إلى ذرِّيتها وولده.

قال رحمه الله: [ويجب للإيلاء] ويجب الطلاق إذا كان طلاقاً مبنياً على الإيلاء، فالرجل الذي حلف أنه لا يطأ أهله أو لا يطأ زوجته ومضى على حلفه أربعة أشهر وهو لم يقربها، وحَلَفَ على أربعة أشهر فأكثر، فإنه يُوقِفه القاضي عند تمام المدة، ويقول له: أنت بالخيار بين أمرين، إما أن تُكَفِّر عن يمينك وتطأ زوجتك؛ فحينئذٍ لا إشكال، وإما أن تطلق الزوجة، وتَبْقَى على يمينك من أنك لا تطؤها، أما أن تمتنع من فراشها أكثر من أربعة أشهر فلا: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226 - 227].

فيخيِّره بين الأمرين.

فهذا النوع من الطلاق يسميه العلماء: طلاق الإيلاء، وسيأتينا في باب الإيلاء، والإيلاء من آلى الرجل إذا حلف، فهو طلاقٌ منبنٍ على حلفه اليمين أنه لا يطأ زوجته، فحينئذٍ يكون الطلاق واجباً.

كذلك يكون الطلاق واجباً إذا كانت المرأة فيها سوء وضرر، أو فيها فساد، وأمره أبوه أو أمرته أمُّه بتطليقها فوجب عليه البر؛ لأنه ليس في المرأة مانعٌ يمنع من طلاقها وهناك أمرٌ من الوالد، والأصل بر الوالدين، خاصة إذا كانت المرأة سيئة أو تقع في الحرام وتؤذي الوالدين، وبقاؤها فيه أذيةٌ للوالدين، فقال الوالد: يا بني طَلِّق امرأتك؛ فإنه يجب عليه طلاقُها بِراً لوالده ولوالدته، كما أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه أن يُطَلِّق زوجته، وكما أمر إبراهيم عليه السلام إسماعيل أن يطلق زوجته، وكل ذلك ثابتٌ وصحيح.

قال رحمه الله: [ويحرم للبدعة] يكون الطلاق حراماً إذا كان طلاقاً مخالفاً للشرع، كطلاق المرأة الحائض، فإن طلاق المرأة الحائض مُجمَعٌ على تحريمه، وأنه طلاق بدعة يأْثَم إن فعله، فلو قال رجلٌ لامرأته وهي حائض: أنت طالق؛ فقد ارتكب الحرام، وأثم لتلفظه بالطلاق في هذه الحال، فهو طلاقٌ مُحرَّم، أو كأن يُطلِّق في طُهْرٍ قد مَسَّ المرأة فيه، فإن طلق المرأة في طهرٍ جامعها ومسها فيه، فإنه يُعتبر طلاقاً للبدعة؛ لأن الله يقول: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الطلاق:1]، فقوله: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) أي: طلقوهن لقُبُل عِدَّتهن، وقُبُل العدة، أي: استقبال العِدَّة، وهذا إنما يكون في طهرٍ لم يجامعها فيه، فإن طلقها في طهرٍ جامعها فيه فإنه طلاقٌ محرَّم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015