قال رحمه الله: [وطلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا استحقها] القاعدة في مسألة الاشتراط: أن الإنسان إذا التزم شيئاً بالشرط يُوفِّي بذلك، والحقوق بين المسلمين تُضْمَن بالشروط، كما قال عمر رضي الله عنه: (مقاطع الحقوق عند الشروط)، وهي مأخوذة من النصوص الصحيحة في قوله عليه الصلاة والسلام: (المسلمون على شروطهم)، فقوله: (مقاطع الحقوق عند الشروط)، يعني: لما تأتي تقطع القطع التي يُعرف فيها حق كل ذي حق، ويُفصَل فيها في الحقوق، فإنك تفصل الخصومة والنزاع، وتُعطِي كلَّ ذي حقٍ حقه بالشرط.
فهو إذا اشترط وهي إذا اشترطت ألزمناه بشرطها، وألزمناها بشرطه، فهو يقول: خالعتُكِ، وهي قد قالت: إن وقع منك هذا القول؛ أُعطِيك ألفاً.
بعد أن قرَّرنا هذه القاعدة -وهي تأثير الشرط- يبقى
Q ذكر المصنف متى أو إذا أو إن، وعلى ألفٍ أو بألفٍ.
هذه كلها يستوي فيها المطلوب فِعله، ويُرتَّب المال أو المدفوع على وجود هذا المطلوب، فإذا قالت له: إن طلقتني فلك ألفٌ، خالِعني ولك ألفٌ، فليس في هذا إشكال، لكن الإشكال إن طلبت منه شيئاً ففعل أكثر منه، أو طلبت منه شيئاً ففعل أقل منه.
فالقسمة العقلية تقتضي ثلاث حالات ينبغي أن يَنتبه لها طالب العلم، الحالة الأولى: أن يكون الفعل الصادر أو القول الصادر على حسب المطلوب، قالت: خالعني وأعطيك ألفاً، قال: خالعتُكِ، بطبيعة الحال إذا قَضَيت في هذا تقول: الشرط الذي التزمَت به المرأة أن تعطيه الألف إن تَلَفَّظ بالْخُلع، وقد تَلَفَّظ بنفس الشيء الذي طُلِب منه، وهنا المساواة واضحة، لم يقل شيئاً زائداً عما طُلِب منه ولا أقلّ مما طُلِب منه، فمن ناحية فقهية بعد أن تُبَيِّن المساواة تنتقل إلى الزيادة أو إلى النقص، لكي تعرف الأصول وتحفظ وتُلِم بطريقة الفقهاء رحمهم الله.
فبعد أن بين حَال المساواة شرَع في الحالة التي يزيد فيها الرجل عن الشرط، والحالة التي يُنقص فيها عن الشرط.
الحالة الثانية: إذا قالت له: إن طلقتني واحدةً أعطيك ألفاً، فقال: أنت طالقٌ بالثلاث، فليست واحدة بل ثلاثاً، والشرط طلقة واحدة، وأعطاها ثلاثاً، فإنه قد زاد على الذي وقع الشرط عليه، فهل نقول: إنه أساء إليها بالثلاث وهي طلبت الواحدة، والثلاث غير الواحدة، وحينئذٍ لا يستحق؟ وهذا مذهبٌ ضعيف، أو نقول: إن الشرط بينه وبينها إن وَقَع طلاقٌ بواحدةٍ أنها تُلزَم بدفع ما اشترطت على نفسها، والزيادة -وهي الطلقتان- كانت من نفسه، كما لو طلقها واحدةً ثم أردفها طلقتين بعد؟ وهذا هو الصحيح على ما اختاره المصنف، فحينئذٍ إن زاد فإنه يستحق الألف.
امرأةٌ قالت لزوجها: إن طلقتني واحدةً أُعطيك ألفاً، فقال لها: أنت طالق بالثلاث، قالت: لا أُعطِيك شيئاً؛ لأنني أريد أن أَرجع إليك، فامتنعت من الإعطاء، فاختصما إلى القاضي، فالقاضي يعلم أنه شرطٌ زاد فيه الزوج، فنقول: إنه إذا وقع الشرط وزيادة فإنه يستحق؛ لأن الطلقة التي وقع الشرط عليها قد وقعت.
قال رحمه الله: [وعكسه بعكسه إلا في واحدةٍ بقيت]، وهذه هي الحالة الثالثة، إذا قالت له: طلقني ثلاثاً، فطلقها واحدةً فإنه لا يستحق الألف؛ لأنها اشترطت الثلاث، والواحدة جزءٌ من الثلاث، والجزءُ ليس كالكل، ولا يأخذ حُكْم الكل، كما لو قلت لرجلٍ: إن جِئتني بخمسة رجال أعطيك كذا، فجاءك برجل فلا يستحق، إنما يستحق إذا جاءك بالخمسة، فهم يرون هذا من باب الجُعل، ومندرج تحت أحكام الجعل.
وباب الجعل -كما سيأتينا إن شاء الله- أنك إذا رتَّبْت ثمناً أو مبلغاً أو مالاً أو شيئاً على شيءٍ معين، وجاء ببعضه فإنه لا يستحق الجعل حتى يأتي بذلك الشيء كاملاً، فلو قلت: من جاءني بسيارتَيَّ الضائعتين أُعطِيه عشرة آلاف ريال، فجاء بسيارةٍ منهما لم يستحقه، حتى يأتي بكلا السيارتين، فلا يتجزأ المقابل والعوض بتجزّؤ العمل.
كذلك هنا لا يتجزأ الاستحقاق الذي هو الألف بتجزّؤ الطلقات، إنما يستحق الألف إذا وقعت الثلاث، فإن وقعت واحدةً لم يستحق، لكن لو أنه طلَّقها قبل ذلك طلقتين ولم يُخبِرها بالطلقتين، فقالت له: طلقني ثلاثاً أُعطِك ألفاً، فقال لها: أنت طالق، فهذه الطلقة مكملةٌ للثلاث، فحينئذٍ وقع الشرط، فإن هذه الواحدة وإن كانت واحدةً لكنها في الحقيقة متممة للثلاث ومحققةٌ لمقصود المرأة من البينونة فحينئذٍ يستحق؛ لأن المقصود حَصَل.