قال رحمه الله: [ويصح بالمجهول] ويصح الخُلع بالمجهول، ولكنه يتعين بما ذكرناه، فيكون مجهولاً في العقد ثم بعد ذلك تُعَيِّنُه، حتى ولو قالت له: أخالِعُكَ على دراهم، قال: قبلت؛ فإنه يَلزَمُها أن تدفع له ثلاثة دراهم؛ لأن أَقلَّ الجمع ثلاثة، ولو قالت: أخَالِعُك على دنانير؛ لَزِمَها أن تدفع له ثلاثة دنانير؛ لأنها أَقل الجمع، ولو قالت: أُخَالِعُك على ريالات، فهي مجهولة القدر؛ فإنه حينئذٍ يُنظَر إلى أقل الجمع، وهكذا لو قالت: أُخَالِعُك على مالٍ وسكتت، فإنه يَصِحُّ وتُلزَم بأقل ما يصدق عليه أنه مال؛ فهذا كله يُعتبر في حكم المجهول، سواءً مجهول القدر أو مجهول الوصف.
قال المصنف رحمه الله: [فإن خالعته على حمل شجرتها أو أمتها أو ما في يدها أو بيتها من درهمٍ أو متاع أو على عبدٍ صح، وله مع عدم الحمل والمتاع والعبد أقل مسماه، ومع عدم الدراهم ثلاثة] قوله: (فإن خالعته على حمل شجرتها) امرأة عندها بستان وأرادت أن تُخالِع زوجها وقالت له: أُعطيك ثمرة بستاني هذا العام أو السنة القادمة، فقال: قبلت.
فحينئذٍ يَصح؛ لأنهم يصحِّحُون الخلع على المجهول.
قوله: (أو أَمَتها) قالت له: أخالعك على ما في بطن أَمَتِي، قال: قبلت.
وهذا بطبيعة الحال يكون أقل من المهر غالباً، فولدت أَمَتُها جارية أو صبية، فحينئذٍ تكون ملكاً له؛ لأنها عاوضته بهذه الأمة، كأنها باعت عليه هذه الأمة الأنثى، أو يكون حملها ذكراً؛ فحينئذٍ كأنها عاوضته بعبدٍ ذكر.
قال رحمه الله: [أو ما في يدها] قالت له: خالِعني على ما في يدي، فقال: قبلت.
ففتحت يدها، فلم يجد شيئاً، في لو قالت: خالعني بما في يدي.
فبطبيعة الحال الذي في اليد مجهول لا يُعرف، ولما كان الحنابلة رحمهم الله ذكروا جواز الخُلع بالمجهول، يرد
Q إذا كان المجهول لا قيمة له، أو ظن أنه له قيمة وبان له كذلك، فلو قالت له: خالعني بما في يدي، فمعناه: أنه خالَعَها بعوض، وإذا قالت: بما في يدي، معناه: أن يدها فيها شيء، وعلى هذا يقع بأقل ما يصدق عليه أنه مال، ويلزمها أن تدفعه له؛ لأنه معلوم بدلالة الحال، فلمّا قالت له: بما في يدي، معناه: أن في يدها شيئاً له قيمة وثمن، وأما لو قالت له: على دراهم أو دنانير، فحينئذٍ أقل الجمع ثلاثة، فتعطيه ثلاثة دراهم أو ثلاثة دنانير، وهكذا لو قالت على ريالات.
قال رحمه الله: (أو بيتها من دراهم أو متاع) (أو بيتها) أُخَالِعُك على ما في بيتي من متاع، فالذي في البيت من المتاع يأخذه؛ لأن له قيمة، فيكون عوضاً عن خلعها.
قوله: (أو على عبد صح) فإن أعطته عبداً أو دراهم أو متاعاً على أنه يُخالِعها صَحَّ؛ لأنها أشياء لها قيمة، فإن عُدِمَت ولم يوجد شيء يُنظر إلى أقل ما يصدق عليه المسمى كما ذكر.
قوله: (وله مع عدم الحمل والمتاع والعبد أقل مسماه) يأخذ أقل المسمى في الحمل والمتاع، فيُنْظَر إلى أقل شيء يمكن أن يصدق عليه أنه متاع، فمثلاً: لو قالت له: أُخالِعك على ما في بطن أمتي، فطبعاً سيظن أن في بطنها حملاً، ولكن تبين أن ما في بطنها هو ورم، وانتفاخ، ولم يكن شيئاً؛ حينئذٍ يكون على أقل ما يصدق عليه وصف الحمل، فيُعَاوَض ويُنْقَل إلى المثل، وكذلك أيضاً لو قالت له: أخالعك على ما في بيتي من متاع، وجاء إلى البيت ولم يجد متاعاً، فنقول: أقل ما يُسمَّى متاعاً ما هو؟ فقالوا -مثلاً-: فراش من نوع كذا، سواء كان من فرش الأرض أو فرش الأسرة، نقول له: هذا الذي لك، ويُرجَع في هذا إلى أهل الخبرة ويقدِّرونه.
كل هذه الأمثلة -كما ذكرنا- العلماء يقصدون منها إذا وقعت الحِيلة من الزوجة على زوجها، أو خالعت على شيء تظنه مالاً وبان أنه غير مال، سواء كان متاعاً أو غيره كما ذكرنا، المهم هو القاعدة فإذا خالعته على شيءٍ ظن أنه موجود وتبيَّن أنه غير موجود نُلزِمُها بلفظها، فلفظها متاع، نقول: يلزمها أقل ما يصدق عليه أنه متاع، وإن قالت: الحمل؛ فأقل ما يصدق عليه الحمل، وإن قالت: ثمرة بستاني؛ نفس الحُكم.
فإذاً نؤاخذها باللفظ الذي اتفق عليه الطرفان، وهما اتفقا على خُلعٍ بِعوض، فإن لم يكن العوض موجوداً نُظِر إلى أقل المسمى، أي أقل ما يصدق عليه أنه متاعٌ وأنه حَمْلٌ إلى آخر ما ذكروه.
قوله: (ومع عدم الدراهم) لو قالت: أخالِعك على دراهم، أو على الدراهم التي في يدي ففتحت يدها ولم يوجد شيء؛ لأنه بطبيعة الحال، إذا قالت: على دراهم، فقد ذكرت في اللفظ الجَمْع، فمعناه أن الرجل لما قال: خَالَعْتُك، كأنه يقول: رضيت بالدراهم، وأقل شيء يصدق عليه أنه دراهم معناه أنه راضٍ به، فالعرب تسمي الثلاثة فأكثر جَمعاً، وتقول: دراهم، فإذا قال: رضيت، وخَالَع، فمعنى ذلك أنه رضي بثلاثة دراهم فأكثر، فإن لم يوجد الأكثر، قلنا: ليس لك إلا أقل ما يصدق عليه هذا الجَمْع الذي رضيت به بالخطاب، فيأخذ الثلاثة الدراهم ولا يزداد.