جواز الخلع بسبب ليس فيه إضرار بالمرأة

لأجل ما سبق قلنا: جعل الطلاق عند الرجل رحمة بالمرأة هذا أول شيء، فلو اعترض معترض وقال: ألا تظلم المرأة؟ ألا ترى شيئاً في زوجها تكرهه؟ قلنا: بلى، فهذا الشيء الذي تكرهه كعيب خَلْقي في زوجها، أو خُلُقي، فإن كان عيباً خلقياً مؤثراً فلها حق الفسخ كما تقدم معنا في الماضي، فالشريعة عدلت وأعطت كل ذي حقٍ حقه، فإن كان عيباً في خلقته لا تستطيع معه جماعه لها كعيب جنونٍ، أو برصٍ، أو جذامٍ، أو غيرها من الأمراض المعدية، فمن حقها أن تطلب الفسخ كما ذكرنا في خيار العيب الذي يوجب الفسخ، فحين يقال لنا: هي لا تحب هذا الزوج، بعد أن عاشرته، ورأت عشرته، وطريقة عشرته، وقلبها أعرض عنه فلا تستطيع أن تتحمل هذا الرجل، فهل نكرهها ونبقيها بالقوة والغصب عند هذا الرجل؟ ف

صلى الله عليه وسلم لا؛ لأنه لا يكره عشير على عشيره، وإذا أكره عليه مله، وازداد كراهية له، وعندها تحصل أمور لا تحمد عقباها، حتى تقع أذية الرجل لها؛ لأنه يراها معرضة فيستغل هذا الإعراض لإضرارها، وإذا ثبت هذا فما هو المخرج؟ إن الشريعة جاءت بمخرجٍ عدل، فالرجل إذا كرهت المرأة نكاحه، ولم ترده، فمعنى ذلك أنه سيتضرر الرجل، وإن بقيت المرأة عند زوجها ستتضرر، فقيل لها: الذي أعطاكِ إياه تردينه عليه، فإن قالت: قد استمتع بي! يقال لها: وقد استمتعتِ به كما استمتع بكِ، والأمر من هنا منكِ، فأنت التي ترغبين في الفراق، وهو الذي دفع المهر، وهو الذي تحمل، فحينئذٍ تردين عليه الذي أمهرك إياه، كما قال صلى قال الله عليه وسلم لامرأة ثابت: (تردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة)، لأنها خافت على نفسها الكفر بعد الإيمان؛ لأن المرأة تخشى على نفسها الفتنة، وإذا كان الزوج لا ترتاح له في عشرتها فإنها قد تقع في الحرام، نسأل الله السلامة والعافية.

وعلى هذا جعل الله الخلع عدلاً بين الطرفين، فيجوز لها إذا كرهت خُلُقه، وكان هذا الخلق مثله يضر، كأن يضربها، ويظلمها فترفع أمرها إلى القاضي، فإذا استمر بهذه الطريقة فيمكن أن القاضي في بعض الأحيان يطلقها عليه، هذا إذا كان خلقاً فيه أذيه وإضرار، لكن إذا كان خلقاً تكرهه كرجل ليست فيه صفات الرجولة الكاملة، أو ترى فيه البخل وهي لا تحب البخيل، أو ترى فيه الفضول فيخوض في فضول الكلام وهي لا تحب أن تعاشر رجلاً بهذه الصفة، فهذه أمور كمالية، وفي هذه الأمور الكمالية تأثير على عاطفة المرأة، فمن حقها أن تخالعه.

فإذاً: عيب الخلق إن كان من جنس ما يوجب تدخل القاضي وتطليقها عليه طلقها، مثل الرجل الذي يضربها ويؤذيها ويضر بها فهذا لا تخالعه؛ لأنه لو خالعته لكان لكل زوج يريد أذية امرأته أن يضربها ويضرها ثم يعود المال إليه، ولكن إذا اشتكت المرأة من خلقه فقلنا: ما الذي فيه؟ قالت: عيب الخلق، فما دام العيب خلق فإنه يوجب الخلع.

وإذا كان عيب الخلق فيه أذية وإضرار، فيضربها ويؤذيها، وأمكن رفع هذا الظلم عنها فليرفع، ولها أن تشتكي أمرها إلى القاضي أو إلى أوليائها ليكفوه، ولا يجوز للأولياء أن يسكتوا عن زوج يضرب أختهم أو لبنتهم.

ومن الأمور التي ينبغي التنبه لها وأيضاً تنبيه الناس عليها: أن الأخ عليه حقوق، والوالد عليه حقوق فلا يرضى لابنته، ولا يرضى الأخ لأخته أن تكون عند زوج ظالم، فإذا رآه ظالماً لها فليأت وليقف على بابه، ويقف في وجهه ويقول له: اتقِ الله في أختي واتقِ الله في ابنتي، وليس له أن يقول: لن أتدخل بين زوج وزوجته، فليس من حقك أن تقول هذا، وإذا سكت الوالد وهو قادر على زجره في هذه الحالة يكون شريكاً له في الإثم؛ لأنه أعانه، وهكذا الأخ وهكذا الابن، وكل قادر على كف الظالم عن ظلمه وهو مستطيع ذلك، ويمتنع من ذلك فإنه يأثم كإثمه؛ لأنه معين.

ففي هذه الحالة إذا كان عيب الخُلُق مضراً بالمرأة، ويوجب تدخل القاضي تَدَخَلَ القاضي، أو طلبت حكماً من أهله وحكماً من أهلها -كما هو معروف في باب النشوز- وإن كان عيب الخُلُق ليس من جنس ما يوجب تدخل القاضي فحينئذٍ يجوز لها أن تطلب الفسخ، فتقدم المهر الذي دفعه وتفتدي وتخالع البعل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015