قال رحمه الله تعالى: [وله منعها من إجارة نفسها ومن إرضاع ولدها من غيره إلا لضرورته] قوله: (وله منعها من إجارة نفسها) أي: أن للزوج أن يمنع الزوجة من إجارتها لنفسها؛ أي: من عملها، فيأمرها أن تجلس في البيت ويقوم بالنفقة عليها، فإذا أمر الزوج زوجته أن تجلس في البيت وجب عليها أن تجلس، ولا يجوز لها أن تمتنع وتعصيه، فإن عصته فقد عصت الله ورسوله.
ثم إذا أمرها أن تجلس في بيته وقام بحقوق النفقة، فلا يجوز لها أن تؤذيه، فتجلس في البيت وتظهر له التسخط والتمرد والتبرم والتأثر من منعه لها، فلا ينبغي لها أن تفعل هذا؛ لأن المرأة سكن للرجل، وجعل الله عز وجل خيرها في بيتها، فإذا لزمت بيتها وقرت في قرارها، وقامت على بيت الزوجية، وأصلحت أبناءها وبناتها، فهذه هي رسالتها الأولى، وهذا هو حقها الأوجب الآكد.
فإذا لم يكن للمسلم أن يبر خالته ويعق أمه، فكيف تذهب للغرباء وتترك الأقارب وتترك أبناءها وفلذات كبدها لمرأة أجنبية تربي أولادها؟! فإذا أمرها زوجها أن تجلس في البيت وتربي الأولاد، فعليها السمع والطاعة بنفسٍ مطمئنة، وترضى بما أمرها به زوجها، فلعل الله أن يجعل لها في ذلك خيراً كثيراً.
فكم من امرأة خرجت فرأت من الفتن ما تمنت أنها لم تخرج، وكم من امرأة مكثت في بيتها فبارك الله لها في مجلسها وبقائها في بيتها، وهذه الأمة يوم أن كانت في أوج عزها وكرامتها كانت المرأة ماكثة في بيتها، وكلنا يعلم أن خروج المرأة ليس بشرط في سعادة الأمة ولا في كمالها، بل إن سعادة الأمة في بعد المرأة عن الفتن وسلامتها عن فتنتها وفتن غيرها، فقد قالت فاطمة رضي الله عنها: (خير للمرأة أن لا ترى الرجال، ولا يراها الرجال) فإذا أخذت الرجل الغيرة وقال لها: يا أمة الله! اجلسي في بيتكِ، فقالت: سمعاً وطاعة، أثابها الله على سمعها وطاعتها، وبارك لها في مجلسها؛ لأن هذا من تقوى الله، ومن اتقى الله جعل له فرجاً ومخرجاً، فحينئذٍ قد يضع الله البركة لها في القليل الذي يكون من زوجها، فيكون خيراً لها من كثير لا تحمد عاقبته.
ولا يعني هذا أنه لا يجوز لها أن تخرج، وإنما الكلام هنا عن الأصل الشرعي، فالأصل الشرعي قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]، والأصل الشرعي أن تحفظ أبناءها وبناتها وتقوم على تعليمهم وتربيتهم وتوجيههم، وهم أمانة في عنقها، ولا تستطيع المرأة أن تتصور عظيم الخسارة التي يُمنى بها أولادها وبناتها حينما تترك البيت وتذهب خارجة لغير رسالة البيت وتفرط في حق البيت.
فلتتصور لو كانت أمها تتركها في البيت فكيف سيكون حالها؟ ولو أنها نشأت في بيت لا ترى أمها إلا حين رجوعها من العمل، وهي في حالة منهكة مجهدة لا تستطيع أن تتبسم لها، ولا أن تعطيها حناناً، ولا أن تقوم عليها بشأن، وقد تركتها إلى أجنبية فكيف يكون حالها؟ فإذا طلب الزوج المرأة أن تبقى في بيتها فعليها أن تتقي الله، وأن لا تعارض وأن لا تمانع، وأن لا تقول لزوجها: دمرت مستقبلي، فإن مستقبل المرأة في تقوى الله عز وجل، وفي خوفها من الله ومراقبتها لله سبحانه وتعالى، وقيامها بحقوق بيتها وحقوق زوجها، وليس مستقبلها موقوفاً على خروجها من البيت، وإلا ما قال الله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33].
فالأصول كلها دالة على أن من حق الزوج أن يحفظ زوجته في بيته، فإذا خرجت المرأة وأصرت، فقد عصت زوجها، وإذا عصته على هذا الوجه، وقد أمرها أن تقر في بيتها، فإنها آثمة في ذلك الخروج، وآثمة في تلك الإجارة، ولا يجوز للغير أن يعينها على إجارتها المحرمة على هذا الوجه، وعليها أن تسمع وأن تطيع، وكذلك توصي المؤمنة أختها إذا علمت أن زوجها لم يأذن لها بالعمل، ولم يأذن لها بالوظيفة، فإن عليها أن توصيها وتذكرها بالله عز وجل أن تبقى في بيتها، وأن لا تصر على معارضته، وتنهاها عن النشوز عنه بمعصيته في هذا الأمر.
فإن الزوج إذا دعا امرأته أن تمكث في البيت، فلربما دعاها خوفاً عليها من الفتنة، وهذه غيرة شرعية، ومن حقه أن يغار، والرجل الكامل هو الذي يغار، وقد يأمرها بالبقاء في بيتها لمصلحة أولادها، فأولادها بدونها يضيعون، ولا يمكن لأي امرأة أن تحسن بحنان الأمومة ما لم تكن مع أولادها، ولا يمكن لأي ولد أن يجد حنان الأمومة من غير الأم، فضياع هذا الحق يضر بالأولاد وينشئون وقد تقطعت الأواصر بينهم وبين الوالدين، ولهذا كله نتائج عكسية لا تحمد عقباها، فإن نظر إلى أن خروج زوجته فيه نفع لبنات المسلمين، وعلم أنها حافظة لدينها، حافظة لمروءتها، بعيدة عن الفتن، وقام على ذلك على أتم الوجوه وأكملها، وأرادها أن تبقى في ذلك فلا بأس، وهو مأجور على ذلك إذا كان قصده أن تعلم بنات المسلمين الخير، فإن الله يأجره على هذه النية الصالحة، ويعتبر من الأعمال الطيبة، ولا بأس بذلك إنما المقصود حين يرى الزوج أن المصلحة بقاؤها فينهى الزوجة أو يمنعها، فما على الزوجة إلا أن تسمع وتطيع.
قال رحمه الله: [ومن إرضاع ولدها من غيره إلا لضرورته] أي: لو أمرها أن ترضع ولده، ونهاها أن ترضعه من غيرها، فإنه يجب عليها أن تسمع له وتطيع، إلا من ضرورة وحاجة، فإذا كان عندها ضرورة وحاجة توجب لها أن تصرف الولد إلى غيرها فحينئذٍ لا بأس.