قال رحمه الله: [وإن افترقا في الفاسد قبل الدخول والخلوة فلا مهر].
العلماء رحمة الله عليهم، مثلما ذكرنا دائماً يحرصون على ترتيب الأفكار، ذكر أولاً: حكم الصداق وصفات الصداق.
ثم: متى تملك المرأة صداقها؟ ثم بعد ذلك: إذا تغير الصداق بالزيادة والنقص، ثم بعد ذلك: إذا نكحت المرأة بدون صداق، ثم تدرج معنا في مسائل المفوضات إذا نكحها بدون صداق فطلقها قبل الدخول، وإذا نكحها بدون صداق فمات عنها، وإذا نكحها بدون صداق فطلقها بعد الدخول.
فهذه كلها أفكار مرتبة، وبعد أن انتهى من هذا كله شرع رحمه الله في فرع جديد، فقال: (وإن افترقا في الفاسد قبل الدخول) شرع في مسألة تتعلق بالنكاح الفاسد، إذ أن ما سبق كله في النكاح الصحيح الشرعي، لكن لو أن رجلاً تزوج امرأة بنكاح الشغار، أو لو أن رجلاً تزوج امرأة بنكاح التحليل، أو لو أن رجلاً تزوج امرأة بنكاح المتعة والعياذ بالله، فهذه الأنكحة كلها باطلة وحكم الشرع بفسادها، وما بني على باطل فهو باطل، والفرع تابع لأصله، ففروع الأنكحة وما يترتب على الأنكحة إنما يترتب على أنكحة صحيحة ينهدم بانهدامها، أي: إذا حكم بفساد النكاح فإنه يحكم بفساد آثار النكاح.
وعلى هذا: ففي نكاح المتعة مثلاً، إن تزوج رجل امرأة وحدد مدة الزواج فقال لها: أتزوجك شهراً أو شهرين، أو سنة أو سنتين، فاتفقا على هذا النوع من النكاح، وجعل المهر خمسة آلاف، وكان رجلاً جاهلاً ثم تبيّن له أن هذا حرام، أو كانوا في بيئة ليس بها علماء ثم ارتفعوا للعلماء وسألوا فقالوا لهم: إن هذا حرام، فحينئذٍ سيفرق بينهما ويلغى النكاح ولم يدخل بها بعد، فيفرق بينهما ولا يترتب أي أثر على هذا، ويصبح وجود هذا النكاح الفاسد وعدمه على حد سواء، فالله تدارك باللطف أنه لم يقع دخول.
فأي نكاح فاسد قبل الدخول لا يلتفت إليه إذا فسخ وألغي؛ لأنه لاغ من أصله وليس له أثر، فهذا هو الذي يقصده المصنف: أن الأنكحة الفاسدة لا يترتب عليها صداق إذا وقعت الفرقة قبل الدخول.