فقال رحمه الله: [وتملك المرأة صداقها بالعقد ولها نماء المعين قبل القبض وضده بضده].
(ولها نماء المعين): ومعنى هذا: أنها تملك بالعقد.
إذاً: عندنا جملتان: الجملة الأولى: قضية (تَمْلِكُ المرأةُ صداقَها بالعقد).
الدليل على ذلك: قضاء النبي صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق، فإنه حينما توفي عنها زوجها قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بمهر المثل وهو لم يدخل بها بعد، فدل على أنه بمجرد العقد تصبح المرأة مالكةً للمهر، والأصل الشرعي يقتضي صحة هذا.
وكما ورد الدليل الخاص في بيان انتقال الملكية إلى المرأة في حديث بروع، وصححه غير واحد من العلماء والأئمة رحمة الله عليهم، كذلك فإنه قد شهدت الأصول بصحة ذلك؛ لأن الشريعة أمرت بالوفاء بالعقود، فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1].
والعقد إيجاب وقبول، فإذا بذل الولي المرأة وبذل الزوج الصداقَ وتم الاتفاق بينهما فقد التزم كل منهما للآخر بما التزم به، فتُصبح المرأة مالكةً لصداقها بالعقد، ويُصبح الرجل مالكاً للانتفاع بالمرأة تدخل في عصمته بمجرد العقد، وسبق أن بيَّنَّا أن عقد النكاح فيه مكارمة وفيه معاوضة.
المكارمة: بيناها.
والمعاوضة: ذكرناها في أكثر من مرة، خاصةً حينما شرحنا عقود البيوع؛ فالمعاوضة في النكاح أن الرجل يستمتع بالمرأة، فيملك منافع البضع، والمرأة تملك المهر.
والله جعل المهر عوضاً عن الاستمتاع فقال: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء:24] فإذا أثبتنا أن عقد النكاح يقوم على هذه المعاوضة، ووقع الإيجاب والقبول بين الزوج وبين ولي المرأة على هذه المعاوضة، وكان مستوفياً للشروط، فيجب على الرجل أن يفي بالتزامه ويجب على الولي أن يفي بالتزامه، والتزام الرجل أن يعطيها هذا الصداق.
فإذاً: تملك المرأة صداقها بالعقد، وهذا نص عليه جمهور العلماء رحمهم الله، ويتفرع على هذا المسائل التي سيذكرها المصنف.
فالمرأة تملك الصداق؛ بمعنى أن لها حق المطالبة بالصداق من حيث الأصل ما لم يكن مؤجلاً، على اختلاف صور الصداق واتفاق المتعاقدين على الصداق، فمنه معجل، ومؤجل قبل الدخول، ومؤجل بعد الدخول.
الشاهد أنها من حيث الأصل تملك، بمعنى: أن الصداق ثابت لها، فإن رضيت بتأخيره لم تملك مطالبته مقدماً، وإن لم ترضَ بتأخيره وبتت فلا يدخل بها حتى يعطيها مهرها.
وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة صداقها بعد موت زوجها، وألزم بإعطائها صداقها من زوجها المتوفى ولم يدخل بها، فلو كان الصداق موقوفاً على قضية الاستمتاع لسقط في حال موت زوج بروع بنت واشق رضي الله عنها، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب على ورثة زوج بروع أن يدفعوا لـ بروع حقها من الصداق، فدل على أنه مبني على العقد، وليس بمتوقف على الدخول إذا تم الإيجاب والقبول عليه.
والباء في قول المصنف (وتملك المرأة صداقها بالعقد): سببية، أي: تملك المرأة صداقها بسبب العقد، فإذا تم العقد فإن هذا العقد يثبت لها ملكية الصداق.