قال رحمه الله: [ويقرون على فاسده إذا اعتقدوا صحته في شرعهم ولم يرتفعوا إلينا] قال: [ويقرون على فاسده] بشرطين: إذا اعتقدوا صحته في دينهم، مثلاً: يهودي تزوج يهودية بخمر أو خنزير، فديننا لا يصحح هذا؛ لأن الخمر والخنزير ليس بمهر، بينما الخمر والخنزير يعد مالاً في دينهم ومذهبهم، لكنه في حكم الإسلام لا، لكن نقرهم عليه ما دام أن دينهم يقرهم على ذلك، وبشرط: أن لا يترافعوا إلينا، فإن جاءونا حكمنا بحكم الإسلام، وهذا يقع في أهل الذمة عندما يكونون تحت حكم المسلمين، فإذا فتحت بلادهم فقالوا: ندفع الجزية ونبقى على ديننا، فدفع الجزية يبقيهم على دينهم، فإذا تناكحوا بطريقتهم وبدينهم، فليس للمسلمين أن يتدخلوا في ذلك؛ لأن هذا أصل عقد الجزية الذي أبرمه عمر بن الخطاب وأبو بكر رضي الله عنهم، فـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مصالحتهم أبقاهم على ما هم عليه من دينهم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان مع يهود بني قريظة ويهود خيبر ويهود بني النضير كلهم على هذا الحكم، وهو أنه يتركهم على دينهم وعلى شرعهم، فأما إذا ترافعوا إلينا وجاءوا إلينا وسألونا أن نحكم بينهم فإننا نحكم بحكم الإسلام.
فإذاً الشرط: أن يكون دينهم يقرهم على ذلك -إذا كان لهم دين سماوي- وأن لا يترافعوا إلينا، فإن ترافعوا إلينا أو فعلوا أمراً لا يقرهم عليه دينهم ألغي هذا العقد، فمثلاً: يهودي تزوج أخته وهو ذمي تحت المسلمين، وبلغ المسلمين ذلك فإنهم يلغون هذا النكاح؛ لأنه تحت حكمهم، ومثل هذا النكاح لا يقره دينه ولا يقره ديننا، فلا يبقون على مثل هذه الأنكحة كنكاح المحارم، لكن لو كان دينهم وشرعهم يقرهم على ذلك أقررناهم على ما أقرهم عليه دينهم بشرط ألا يترافعوا إلينا.
فلو أن يهودياً ويهودية جاءا إلينا وقالا: نريد أن تعقدوا لنا عقد النكاح بدينكم {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} [المائدة:42] فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بحكم الإسلام، وأنزل القرآن مهيمناً على الكتب السماوية من قبل، فحينئذٍ يحكم ويبت بينهم، ولذلك رجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهوديين الزانيين المحصنين بحكم الإسلام، وإن كانت التوراة كذلك فيها الرجم كما وضع أحدهم يده على آية الرجم لكن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بينهم لقوله: (فدعا بالشهود) فأجرى القضية على أنها قضية قضائية إسلامية، فإذا ترافعوا إلينا حكمنا بينهم بشرعنا.
قال: [فإن أتونا قبل عقده عقدناه على حكمنا] وإن أتونا بعد عقده أبقيناه على حكمهم.
قال: [وإن أتونا بعده أو أسلم الزوجان والمرأة تباح إذاً أقرا] قوله: (أو أسلم الزوجان والمرأة تباح إذاً) يعني: أسلم اليهودي واليهودية فصارا مسلمين والمرأة مباحة صح، لكن لو أنه تزوج أم زوجته فليست تباح إذاً، فإذاً الشرط: أن يسلما والمرأة مباحة، يعني: ممن يحل نكاحها، فإذا تزوج أجنبية منه وبعد ذلك أسلم الزوج والزوجة أبقيناهما على عقدهما في حال الكفر، لكن لو كانت المرأة لا يقر نكاح جنسها فحينئذٍ يفسخ النكاح، كأن يكون قد تزوج أم زوجته أو ربيبته فإنه لا يحكم بصحته؛ لأن الشريعة لا تقر هذا، (والمرأة تباح إذاً أقرا) أي: تباح بحكم الشرع فإنه حينئذٍ يُقر.