قال رحمه الله تعالى: [باب الشروط والعيوب في النكاح] الشروط تنقسم إلى قسمين -كما تقدم معنا في البيوع-: شروط شرعية وشروط جعلية، وتقدم تعريف الشروط، والمراد من هذا أن هناك شروطاً نص عليها الشرع: كالولي، والشاهدين، ورضا الزوجين، وغير ذلك مما ذكرناه في شروط صحة النكاح، لكن الكلام هنا في الشروط التي يجعلها أحد الطرفين المتعاقدين، إما الزوج أو الزوجة أو الولي.
وفي الحقيقة عندنا سؤال مهم، يعتبر كمدخل فقط ندخل به في مسألة الشروط وهو: لو سألك سائل وقال لك: كيف يقول المصنف: باب الشروط والعيوب، ونحن إلى الآن ما دخلنا في تفصيلات كتاب النكاح؟ يعني: كان المفروض أن تكون مسائل الشروط في آخر كتاب النكاح.
والجواب عن ذلك: أن ترتيب المصنف ترتيب صحيح، وفي علم المناسبات فإنه على حسب الأصول التي ذكرها العلماء يقوى ترتيب المصنف، توضيح ذلك: أن المصنف ذكر مقدمات النكاح، فذكر الخطبة، وذكر من تخطب، وصفات المرأة المخطوبة، وأحكام الخطبة، وما يتعلق بها، ثم ذكر أركان عقد النكاح، والصيغة، والعاقدين، إلى آخره، ثم ذكر شروط صحة عقد النكاح، فبعدما توفرت هذه المقدمات تسأل: من المرأة التي تحل لي فأتزوجها، والمرأة التي لا تحل لي فلا أتزوجها؟ فإذا عرفت المرأة التي تحل والمرأة التي لا تحل، ماذا تفعل؟ مباشرة ستعقد، وقد تقدمت مقدمات العقد، وفي أثناء العقد ستذكر الشروط، فتذكر ما لك من شروط على المرأة، والمرأة تذكر ما لها من شروط على الزوج، فإذاً ناسب أن يذكر باب الشروط بعد المحرمات من النساء من أجل أن يبين ما الذي يمكن أن يوضع في عقد النكاح.
وأيضاً يرد إشكال آخر وهو: إذا كانت الشروط لها هذه المناسبة فأنا مسلّم وهذا صحيح، لكن العيوب، إما أن تكون في مقدمات النكاح: لا تتزوج كذا، ولا تتزوج كذا، وإما أن توضع في آثار النكاح.
والواقع أن ترتيب المصنف صحيح، فإن الشروط في الحقيقة من ناحية فقهية وتنظير فقهي تعتبر من الخيارات، يعني: إذا تم العقد بين الطرفين هناك شيء يسمى: الخيار وهو: أن يدخل أمراً أو يشترطا شرطاً يوجب الخيار لأحدهما أو كليهما -كما تقدم معنا في البيوع- وفي الواقع أن الشروط في الأصل توضع في العقود ويقصد منها الخيار، بحيث لو اشترط أن المرأة على صفات معينة وتبين أنها ليست على تلك الصفات كان له الخيار، فمعنى ذلك: أن الشروط متصلة بالعقد من حيث الأساس والتركيب، ومتصلة بالخيار من حيث الثمرة، فإذاً هي في التنظير في باب الخيارات، فالتصقت العيوب بها؛ لأن الشرط والعيب والغرر والعتق كلها من خيارات النكاح، إذ هناك أربعة أشياء مما يوجب الخيار في النكاح: الشرط، العيب، العتق، الغرر، أو وجود الغبن ونحو ذلك، هذه أربع من موجبات الخيار، فناسب أن يلحق العيوب بالشروط، وعلى هذا فتنظير المصنف رحمه الله تنظير صحيح.
سنذكر باختصار مسألة أنواع الشروط.