مراتب الأولياء

قال رحمه الله: [ويقدم أبو المرأة في نكاحها] بدأ رحمه الله بمسألة، وانظروا إلى كيفية ترتيب العلماء رحمهم الله للمسائل، أولاً: الولاية، ثانياً: من هو الولي وما هي صفاته؟ ثالثاً: ما هي مراتب الأولياء؟ ثم إذا أثبت مراتب الأولياء التي سنذكرها، ما الحكم إذا تخطى أحد مرتبته فزوج البعيد مع حضور القريب، وزوج الأبعد مع حضور من هو أقرب منه؟ هذه كلها مسائل سنبحثها الآن.

الولاية لها جهات: الجهة الأولى: الأبوة، ويتبعها الجدودة من الأبوة المباشرة والأبوة بواسطة.

فأولاً الأبوة، ثم البنوة على خلاف؛ فابن المرأة الذكر وابن ابنها ممن تمحض بالذكور في ولايته خلاف من جهة البنوة، فبعض العلماء لا يرى أن الابن يلي عقد نكاحها؛ لأن الابن قطعة من أمه ولا يمكن أن يصير ولياً عليها، وفي هذا حديث ضعيف عن عمر بن سلمة أنه زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة لكن الحديث فيه ضعف، والذي يعنينا الآن الأبوة، ثم الحواشي وفروعها، ويسمونها: حواشي النسب وحواشي النسب تنقسم إلى قسمين: إما حاشية تجتمع معك في أصليك الذين هما الوالد والوالدة، أو حاشية تجتمع معك في أصل أصليك.

فنبدأ بالحواشي التي تجتمع معك في أصلك؛ الذين هم: الأخ الشقيق، والأخ لأب، ثم الأخ الشقيق وابنه، ثم الأخ لأب وابنه، هؤلاء يجتمعون معك في الوالد والذين هم أصولك، وهناك حواش تجتمع معك في أصل أصلك، وأصل الأصل الذي هو الجد؛ لأن أصلي والدي وأبو الوالد الجد، فإما أن تجتمع معك الحاشية في الأقرب الذي هو الوالد وهم إخوانه وبنوهم، وإما أن يجتمعوا معك في أصل أصلك الذي هو الجد، فهؤلاء الأعمام وبنو الأعمام.

فنبدأ أول شيء بالآباء، أولاً: الأب وأبوه وإن علا، فأول من يلي عقد النكاح الأب ولا يقدم على الأب أحد ألبتة إلا إذا اختلت فيه الشروط، لكن الأصل أن الأب هو الذي يلي وهو أحق، ثم بعد الأب أبوه وإن علا، فلا يزوج الجد مع وجود ابنه؛ لأنه الواسطة بينه وبين المزوجة، ولا يمكن أن نجعل الفرع حاكماً مع وجود الأصل، فهو يدلي بواسطة الأب، فلا يمكن أن يسقط الأب مع وجوده كالميراث، ففي الميراث الأب يحجب والده الذي هو الجد، فلو مات وترك أباً وجداً حجب الأب أباه، وعلى هذا قالوا: عندنا الأب وأبوه وإن علا، ثم الابن وابنه وإن نزل، لكن بالذكور؛ كابن ابن وابن ابن ابن وإن نزل، فلو أن امرأة عندها ابن وعمر الابن عشرون عاماً، وجاء رجل يتقدم وقال له: يا فلان! زوجني أمك، ذهب إلى والدته واستشارها وسأل عن الرجل فوجده كفئاً، والأم هذه ليس لها أب قالوا: يلي عقدها ابنها، ويقول: زوجتك أمي فلانة، ويتم العقد معه.

أو ابن ابنه لكن لابد أن يتمحض بالذكور؛ لأن الولايات الضابط فيها دائماً العصبة، يعني لا يدخل فيها نساء، فأبو الأم لا يدخل؛ لأنه يدلي بأنثى، وابن البنت لا يدخل؛ لأنه يدلي بأنثى، فلابد أن يتمحض بالذكور، الابن وابنه وإن نزل، هذا بالنسبة للآباء والأبناء؛ وهم الأصول والفروع، ثم تنتقل إلى الحواشي كما ذكرنا، وحواشي الأصل كالأخ الشقيق، فيقدم الأخ الشقيق أولاً من الإخوان كلهم، فإذا كان هناك أخ شقيق وأخ لأب فيزوج الأخ الشقيق قبل الأخ لأب، وإذا كان هناك ابن أخ شقيق وأخ لأب الذي هو عمه لأب فإنه في هذه الحالة يقدم ابن الأخ الشقيق على الأخ لأب، فالأخ الشقيق هو الذي شاركك في أصليك، والأخ لأب هو الذي شاركك في أبيك فقط الذي هو أحد الأصلين، ولا يدخل الأخ لأم؛ لأنه يدلي بأنثى، ففي الولايات لا تدخل.

ثم بعد الأخ الشقيق تنتقل إلى أبنائه، وبعد الأخ لأب تنتقل إلى أبنائه، وتنتقل بعد ذلك إلى العم الشقيق وأبنائه وابن العم لأب وأبنائه، فلو أن امرأة لها أولاد عم وليس لها آباء ولا أبناء، وليس لها إخوة أشقاء ولا أبناء إخوة أشقاء ولا إخوة لأب ولا أبناء إخوة لأب نسأل: هل لها أعمام؟ قالوا: أعمامها توفوا جميعاً، سواء الأعمام الأشقاء أو الأعمام لأب، ثم نسأل: هل لها أبناء عم؟ قالوا: نعم، عندها ابن عم شقيق وابن عم لأب، فنقدم الشقيق على الأب، ولو كان لها ابن ابن ابن ابن ابن عم شقيق يعني مرتبته الخامسة أو السادسة، وابن عم لأب مباشرة، قدمنا ابن ابن ابن ابن ابن عم الشقيق وإن نزل فبالجهة التقديم ثم بقربه وبعدهم التقديم بالقوة اجعل (فبالجهة التقديم): تقدم الآباء على الإخوة، هذه الجهات.

(ثم بقربه): فابن ابن شقيق يقدم على ابن ابن ابن شقيق، وهذا من ناحية القرب.

(وبعدهم التقديم بالقوة اجعل): فابن الأخ الشقيق مقدم على ابن الأخ لأب؛ لأن القوة في الأشقاء أقوى من القوة في الأب، فابن الأخ الشقيق لو نزل إلى رابع مرتبة أو خامس مرتبة فإنه مقدم على ابن أخ لأب ولو كان في أعلى مرتبة، بل حتى لو كان الأخ لأب حي قدم عليه؛ لأن القوة في ابن الشقيق أقوى من الأخ لأب؛ لأن الفرع تابع لأصله، والشريعة هكذا، فلو ترك ميراثاً وترك ابن ابن ابن عم شقيق، وعم لأب مباشرة قدم ابن ابن ابن العم الشقيق على العم لأب؛ بسبب قوة الأشقاء؛ لأن صلته بالرحم من جهتين أقوى من صلته بالرحم من جهة واحدة، وقد أعطى الله لكل حقه وحظه.

قالوا: والسبب في هذا التقديم: الشفقة، فإن شفقة القريب من ناحية الأشقاء أقوى من شفقة القريب من ناحية الأب وحده، ولذلك جعلت الشريعة لكلٍ حظه وحقه.

قال رحمه الله تعالى: [ويقدم أبو المرأة في نكاحها ثم وصيه فيه] ثم وصيه في النكاح، كما ذكرنا أن الفرع تابع لأصله إذا أوصى أن يزوج بناته.

قال: [ثم جدها لأب وإن علا] وجدها لأم هل يلي أو لا يلي؟ لا يلي؛ لأنه أدلى بأنثى.

قال: [ثم ابنها ثم بنوه وإن نزلوا] ابن المرأة، وقد قلنا: إن الشافعية ومن وافقهم لا يصححون ولاية الابن؛ لأن الابن فرع عن الأم، ولا يمكن أن يكون ابناً لها ويكون ولياً عليها.

قال: [ثم أخوها لأبوين] الذي هو الشقيق.

قال: [ثم لأب، ثم بنوهما كذلك، ثم عمها لأبوين] بعض العلماء يرى أن الأخ الشقيق وبنوه يقدمون على الأخ لأب، ثم الأخ لأب وبنوه، وبعضهم يرى أن الأخ الشقيق ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب، فيجعل الجهات تبحث بعد الأصول، والأول فيه قوة كما ذكرنا، يعني: أن الجهة أقوى.

قال: [ثم عمها لأبوين] الذي هو عمها الشقيق، والعم الشقيق: هو الذي شارك أباها في أصليه، الوالد والوالدة.

قال: [ثم لأب، ثم بنوهما كذلك، ثم أقرب عصبة نسباً كالإرث] قوله: (ثم أقرب عصبة نسباً كالإرث) هذا يكون في فروع القبائل، الله سبحانه وتعالى خلق بني آدم وجعلهم على قبائل وطوائف، فترتيب القرابة والقبيلة والجماعة راجع إلى الأجداد، فهناك جماعة تجتمع معهم في الجد الثالث، وجماعة تجتمع معهم في الجد الخامس، وجماعة تجتمع معهم في الجد العاشر، كقريش، فإنها تجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجد العاشر، فهناك مراتب، فإذا انتهى هذا البيت وهذه المجموعة التي أنت منها تنظر إلى أقرب فخذ إليك، فإن هذا في قرابته وعصبته منك أقرب من غيره الذي يلتقي معك في جدٍ أعلى، فيقدم القريب في الجد الأقرب على القريب الذي في الجد الأبعد، على نفس الترتيب الذي ذكرناه.

فمثلاً: لو أن امرأة أسلمت، وجميع قراباتها من العصبة كفار -والعياذ بالله- أو أموات، وعندها رجل من نفس البيت لكن يجتمع معها في الجد العاشر وهذا عصبة، نسأل: هل هناك ممن أسلموا من قرابتها أقرب من هذا؟ قالوا: لا.

فيكون هذا هو الذي يلي عقد النكاح؛ لأن النسب والعصبة موجودة فيلي نكاحها.

قال: [ثم المولى المنعم] لقوله عليه الصلاة والسلام: (الولاء لحمة كلحمة النسب) كما في الصحيحين، فنزل الولاء منزلة النسب، والولاء هو الذي ينتج عن العتق، فالعبد إذا أعتقه سيده فإنه يصير له ولاؤه، قال صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله أحق وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق) كما في حديث عائشة في الصحيحين، فقال: (إنما الولاء لمن أعتق) فأثبت الولاء بالعتق، وقال في الحديث الصحيح الآخر: (الولاء لحمة كلحمة النسب) يعني: تسري عليه أحكام النسب، فلو أن امرأة ليس لها من عصبتها أحد فينتقل إلى مولى أبيها الذي أعتقه؛ لأن موالي أبيها كمواليها، فإنهم يلون عقدها.

فالذي أعتقها يقدم على غيره من سائر قرابته وهو المعتق، ثم أبوه وإن علا، ثم ابن المعتق وإن نزل على القول بأن الأبناء يتبعون، ثم الأخ الشقيق، ثم بنوه، ثم الأخ لأب ثم بنوه، ثم العم الشقيق، ثم عم المعتق نفسه، وتسري المسألة إلى المعتق، هذا ترتيبه، وهذا في القديم، فقد كان في القديم يحتاج إلى كثير من هذا، خاصة في الفتوحات.

قال: [ثم أقرب عصبته نسباً، ثم ولاءً، ثم السلطان] قوله: (ثم ولاء).

ولاء المولى؛ لأنه في بعض الأحيان يكون الولاء مركباً على الولاء، ويكون الذي أعتقه هو أيضاً قد أعتق من غيره، فيكون حراً معتقاً من غيره، وليست القضية قضية الولاء والعتق، وإنما مراد الفقهاء: حفظ الضابط ومراعاة الترتيب فقط، يعني: عندما يقرأ طالب العلم هذه المتون يظن أن هذا هو المقصود، والمراد فقه المسألة، فهم عندما يذكرون الأمثلة فإنما هو لترويض الذهن، بحيث إذا سُئلت تعرف كيف تقدم الأقرب فالأقرب، وكيف تقدم الأحق على من هو دونه في الحق، وكيف تنظر إلى مراتب الأشياء وتقديراتها، وكيف تنظر إلى أن الذي يشارك في الأبوين ليس كالذي يشارك في أب واحد، وكيف أن ابن الأخ الشقيق الذي شارك في الأبوين ينزل منزلة أبيه ويقدم على غير الشقيق، هذا كله ترويض للذهن مع أن فيها أحكاماً شرعية لابد أن تعلم كما ذكرناها.

قال: [فإن عضل الأقرب أولم يكن أهلاً أو غاب غيبة منقطعة لا تقطع إلا بكلفة ومشقة زوج الأبعد] قوله: (فإن عضل الأقرب) عرفنا ترتيب الأولياء، لكن ترد مسألة: لو أن شخصاً اعتدى وزوج مع وجود من هو أحق منه؟ فلو أن أخاً شقيقاً زوج مع وجود الأب -هذا يقع- أو أن العم الشقيق زوج مع وجود أولاد أخيه، فما الحكم؟ هذه مسائل يحتاج إلى النظر فيها، فهذه مسألة: اختلال الترتيب، فمتى يسمح بمخالفة هذا الترتيب ومتى لا يسمح؟ وهذه من عادة الفقهاء، والسبب في هذا: أنهم إ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015