معنى قول العلماء: (لا مشاحة في الاصطلاح)

Q ما معنى قول العلماء رحمهم الله: لا مشاحة في الاصطلاح؟

صلى الله عليه وسلم الاصطلاح لا مشاحة فيه، بمعنى: أن لكل قوم أن يَصطلحوا على تسمية الشيء باسمه كاصطلاح بينهم، فلا يأتي واحد ويخطئهم، أو يبين عوارهم في اختيار هذا، فهذا مصطلح لهم، ولا مشاحة في الاصطلاح.

وإذا اختلف اثنان، فإما أن يختلفا حقيقة أو صورة، فالخلاف ينقسم إلى: خلاف حقيقي وخلاف لفظي، فالخلاف اللفظي هو خلاف المصطلحات.

فمثلاً: لو جاء شخص وسَمّى شيئاً معيناً باسم معين لا يُعطيه حكم ذلك الاسم الشرعي، واصطلح مع غيره على هذه التسمية، فمثلاً: لو جاء بعض العلماء وأخرجوا بيع الصرف من البيع -فإن: بعضهم يراه بيعاً، والإجماع منعقد على أن الصرف يسمى بيعاً- ووضع تعريفاً، ورأى أن باب الصرف باب يستحق أن يُفرد بكتاب، وأن يفرد بمسائل حتى يُضبط أكثر ويُتقن أكثر.

وذلك مثل المالكية رحمهم الله في مذهبهم حيث أفردوا الصرف بباب مستقل، وبتعريف مستقل، وميزوه عن تعريف البيع العام، وأفردوا السلم عن باب البيع، مع أنه نوع من أنواع البيع؛ لأنه رخصة وبيع للمعدوم، فأفردوا السلم والصرف باسمهما وبباب مستقل، ووضعوا لكل منهما تعريفاً مستقلاً.

فلما جاءوا في كتاب البيع يعرِّفون البيع أخرجوا هذين النوعين من البيع؛ لكنهم أخرجوهما اصطلاحاً لا حقيقة؛ لأنهم في الحقيقة يسلِّمون أنهما نوعان من أنواع البيع؛ لكن في الظاهر جاءوا في التعريف فقالوا في البيع: عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة ذو مكايسة.

وهنا ينتهي تعريف البيع العام، ثم قالوا: أحد عِوضيه غير ذهب ولا فضة، معيّن غير العين فيه.

فلما قالوا: أحد عِوضيه غير ذهب ولا فضة؛ أخرجوا بيع الصرف، ولما قالوا: معين غير العين فيه، أخرجوا بيع السلَم، ولكن لم يخرجوهما من البيع حقيقة؛ لأنهم يرون أن كلاً منهما بيع، لكنهم اصطلحوا في مذهبهم على إفراد هذين النوعين من البيع، وهذا مصطلح خاص بالمذهب، لكنهم في الحقيقة يرون الصرف بيعاً والسلَم كذلك بيعاً، فهم في الحكم متفقون، وفي الاصطلاح مختلفون؛ فنقول: لا مشاحة في الاصطلاح.

فلا يأتي شخص ويقول: هذا التعريف خطأ؛ لأنه أخرج الصرف والسلَم وهما من البيع، بل نقول: هذا إخراج اصطلاحي لا حقيقي فلا يؤثِّر؛ لأنه لا مشاحة في الاصطلاح.

مثال آخر: الواجب والفرض، فبعض العلماء يرى أن الخلاف بين الحنفية رحمهم الله وبين الجمهور في الواجب والفرض خلافٌ لفظي؛ لأن الحنفية يرون أن الفرض ما ثبت بدليل قطعي، وإذا كان ثابتاً بدلالته بدليلٍ قطعي، ودلالته قطعية وثبوته قطعي، فيكفَّر جاحده، ويعطونه أحكام الفرض من حيث أنه يثاب فاعله ويعاقب تاركه.

والجمهور عندهم أن ما ثبت من الواجبات بدليل قطعي، وصار معلوماً عند الإنسان ثبوته ثبوتاً ودلالة أنه قطعي، وعلم وقامت عليه الحجة، بإجماع الجمهور أنه يكفر إذا جحده، فمثلاً: الصلاة عند الحنفية فرض، وعند الجمهور تسمى فرضاً وتسمى واجباً، والحنفية لا يطلقون الواجب إلا على الذي ثبت بدليل ظني، فإذا أنكر شخص الصلاة، وقال: الصلاة ليست واجبة، فعند الجمهور وعند الحنفية أنه يُكفَّر، فالنتيجة واحدة، فالخلاف اللفظي والاصطلاحي نتيجته واحدة، ولكن من حيث الاصطلاح يختلف، فلكل مذهب اصطلاحه.

ولو أن أناساً داخل البيت اصطلحوا على تسمية شيء باسم، مثل البئر، فالبئر معروف، ومصطلح الناس العام في البئر معروف، ولكن لو كان عندك داخل البيت حوض صغير، وتقول دائماً لأولادك: ضعوها في البئر، اطرحوها في البئر، فيأتي شخص ويقول لك: لماذا سَمّيت هذا الحوض بئراً؟ فتقول له: هذا مصطلح بيني وبين أولادي، ولكن لو جاء شخص من الخارج وقال: ارمِ هذا في البئر، فذهب ووضعه في حوض؛ فنقول: هذا خالف الاصطلاح العام، فلا يمكن أن يُحمل لفظه على مصطلح خاص، لكن أنت فيما بينك وبين أولادك لكم مصطلح خاص، ولا مشاحة في الاصطلاح.

ولو وصَّى شخص بحفر بئر فلا نحفر حوضاً؛ لأن هذا خارج عن الاصطلاح العام، ففي الأحكام هذا شيء آخر، ولكن من ناحية التعارف اللفظي واتفاق الناس لكل قوم ما اصطلحوا عليه، فهم يصطلحون على ما شاءوا عليه، ولكن في الحقائق والأحكام لا يُعرف إلا ما ثَبت؛ إما بدليل الشرع، أو الطبع الذي هو الحقيقة الوضعية أو اللغة، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015