حكم الوصية بالمجهول

قال رحمه الله: [وتصح بمجهول كعبد وشاة].

أي: وتصح الوصية بمجهول، فلو أن رجلاً عنده سيارات فقال: وصيت بسيارة من سياراتي لمحمد، أو وصيت بعبد من عبيدي، أو بشاة من غنمي، أو بناقة من إبلي ونحو ذلك، فإذا وصى بمجهول فهناك حالتان: الحالة الأولى: أن يقول: بعبد من عبيدي.

والحالة الثاني: أن يقول: بعبد.

ونمثل بما هو موجود الآن، فإن قال: وصيت بعمارة من عماراتي إلى خال أولادي، ولنفرض أن عنده ثلاث عمائر، وكل عمارة تعادل مليون ريال، فإنه: يعطى عمارة من هذه العمارات الثلاث، وهنا يختلف العلماء، فإذا كانت العمائر متفاوتة، ففيها العمائر الغالية الجيدة، وفيها العمائر التي هي دون ذلك؛ فعند ذلك يأخذ أقل ما يصدق عليه أنه عمارة منها، أي: أقلها ثمناً وأقلها قيمة مما يصدق عليه أنه عمارة؛ لأنه وصّى بعمارة من عماراته، واليقين أن الأصل أنها ملك للورثة، فلما قال: بعمارة من عماراتي، فأقل ما يصدق عليه أنها عمارة يعطاها، وهذا مذهب طائفة من العلماء، ومنهم أئمة الحنابلة رحمهم الله.

وخالف بعض الفقهاء كبعض أصحاب الإمام الشافعي فقالوا: يعطى أحسن العمائر، فيبحث عن أفضلها وأغلاها ثمناً وأجودها ثم يُعطى ذلك.

والصحيح: أنه يُنظر إلى أقل ما يصدق عليه أنه عمارة، كما اختاره المصنف رحمه الله؛ لأن الأصل أنها ملك للورثة، فلما قال: عمارة من عماراتي، فهذا الوصف يصدق على أقل عمارة، فهي عمارة من عماراته، فلو كان يريد الأجود للزمه أن يقول: أفضلها وأحسنها؛ لأنه وصف زائد عن الاستحقاق، فكان الواجب ذكره، فلما لم يذكره فهمنا أنه يريد أقل ما يصدق عليه أنه عمارة.

وهذا من جهة الألفاظ، ولذلك لو أن شخصاً قال: إذا نجح ولدي فلله عليّ أن أطعم مسكيناً، فإذا قال ذلك ولم يحدد، فنقول له: أطعم أقل ما يصدق عليه أنه إطعام، وهذا في الاستحقاقات، فعلى هذا نقول: إنه يعطى أقل هذه العمائر مما يصدق عليه الوصف الذي ذكره في الوصية.

وفي الحالة الثانية إذا قال: أوصيت بعمارة لفلان، فإذا لم يكن عنده عمائر، فلا إشكال أنه يؤخذ من ماله ما يكفي لشراء أقل ما يصدق عليه أنه عمارة في عرفنا، فمثلاً: لو وجدنا أن العمارة في عرفنا تصدق على دورين، أو على ثلاثة أدوار، فنشتريها بحسب العرف.

فننظر إذا كانت قيمة هذه العمارة مثلاً خمسمائة ألف، والذي ترك ثلاثة ملايين، فهي إذاً هي دون الثلث، فيشترى له عمارة بخمسمائة ألف ويُعطاها، لكن لو قال في هذه الحالة: أوصيت بعمارةٍ، وعنده عمائر، وعنده سيولة، فهل نعطي الموصى له من العمائر التي يملكها الشخص، أم أن الورثة يشترون له عمارة من الخارج؟ والسبب في هذا: أنه ربما تكون عنده ثلاث عمائر، وكل عمارة بمليون، مع أنه لو اشتُريت له عمارة من الخارج فستكون قيمتها مائة ألف، فمن مصلحة الورثة أن يشتروا له عمارة من الخارج، فقال بعض العلماء: ما دام أنه قال: أوصيت بعمارة، وسكت، ولم يبيِّن أنها من عمائره؛ فحينئذٍ من حق الورثة أن يشتروا له عمارة من الخارج، ويكون حينئذٍ قد برئت الذمة، ويستحق هذا الشيء الذي يصدق عليه أنه عمارة؛ لأنه لو كان يريد من عمائره لقال: بعمارة من عمائري.

وعلى هذا تدخل مسألة السيارة، ومسألة المزرعة، فإذا كان يملك مزارع فحينئذٍ من حق الورثة صرفه عن مزارعه بشراء مزرعة؛ لأن الوصية تصح بذلك.

قالوا: لأنه لو أراد مزرعته لقال بمزرعة من مزارعي، وبسيارة من سياراتي، وبعمارة من عمائري، فلما قال: بسيارةٍ، أو أرضٍ، أو بكتابٍ، أو بمزرعةٍ، فحينئذٍ أقل ما يصدق عليه هذا الوصف يشترى ويعطاه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015