قال رحمه الله: [ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه] (ويجزئ عن التراب) قد قررنا أنه لا بد من التراب في الغسل، فلو أنه لم يجد تراباً، كمن يكون في أرض جبلية، وأراد أن ينتفع من هذا الإناء المولوغ فيه وليس عنده تراب، فما هو الحكم في ذلك؟ الحكم: أن يُنَزَّل الأُشنان منزلة التراب، فيغسله بالأُشنان مع الماء، وهذا على القول بأن الحكم معلل، فإن في الكلب جراثيم يبالغ في تطهيرها على هذا الوجه، ولذلك قالوا: إن الأشنان يقتل الجراثيم كقتل التراب لها وإن كان هناك فرق بين قتل التراب وقتل الأشنان، فإن التراب أبلغ وأقوى في قتل الجراثيم، ولذلك يقولون: إن تخصيص الشرع به أقوى، حتى أن الأطباء الآن يعتبرون التطهير مع الماء من إعجاز الشرع؛ لأن التراب معرض للشمس، وطهارة التراب ونقاؤه من الجراثيم من أكثر الموجودات على سطح الأرض، فإن التراب أبلغ طهارة والماء أقل منه، ولذلك تجد الشرع قد جعل التراب أبلغ في تطهير أو قتل الجراثيم من الماء، وهذا من إعجاز الشرع.
وللعلماء في تنزيل الأشنان منزلة التراب ثلاثة أقوال: القول الأول: لا يُجزئ عن التراب غيره سواءً وجد التراب أو لم يوجد، وبهذا القول قال طائفة من العلماء رحمة الله عليهم، وهو قول في مذهب الشافعية والحنابلة رحمة الله على الجميع.
القول الثاني: يُجزئ عن التراب غيره من سائر المنظفات، فلو أردت أن تغسله بماء وصابون أجزأت غسلة الصابون -وكذلك بقية المطهرات- عن التراب كما ذكر المصنف رحمه الله: (الأُشنان) بالضم، والأشنان المراد به: نوع من المنظفات، وفي حكمه المطهرات الموجودة الآن، فعند أصحاب هذا القول أنه يُجزئ أن تغسل الإناء سبع مرات بالماء، وأن تكون ضمن هذه الغسلات غسلة بمنظف، سواءً كان صابوناً أو غيره من المنظفات، وهذا القول هو الوجه الثاني عند الشافعية، وكذلك عند الحنابلة رحمة الله عليهم، وقد درج عليه المصنف حيث قال: (يُجزئ عن التراب أُشنان وغيره).
والقول الثالث: أنه إن وجد التراب فلا يُجزئ غيره عنه، وإن لم يوجد فإنه يُجزيء غيره عنه، وهو أعدل الأقوال وأولاها بالصواب -إن شاء الله تعالى- وهو وجه عند الشافعية رحمة الله عليهم، فإذا ثبت هذا فيستوي في الحكم بالمطهر سائر المنظفات سواء كانت من صابون أو أُشنان قديم، فما دام أنه يُنظف ويُنقي؛ فإنه يُجزئ عن التراب إذا فُقد التراب، وهذا محصل أقوال العلماء رحمة الله عليهم في إجزاء غير التراب عن التراب في مسألة ولوغ الكلب.