وبالنسبة للديون، قد يكون التعجيل بقضائها في بعض الأحيان يتضمن بعض الضرر على الورثة، مثل: كساد السوق، ورخص الأسعار، فمثلاً: لو أن الميت توفي وعنده (عمارة)، حتى ولو كان يسكنها أولاده، وليس عندهم سكن غيرها، فإنه يجب أن يُسدد دينه ولو أن تُباع (العمارة)؛ لأن هذا ماله، ونفسه معلقة ومرهونة بدينه، وهو قد قام بإسكان وستر ورثته ومن يعول مدة حياته، فإذا وفّى لهم فالواجب أن يُوفُّوا له بعد موته، فلا تُعطل ديونه وتبقى نفسه معلّقة مرهونة بالدين، وقد ترك وفاء لهذا الدين.
وأعجب من هذا وأعظم ظلماً للميت حينما يكون الميت قد ترك سداداً، مثل أن يكون عنده مزارع وأرضٍ وسيارات، ولكن الورثة يُؤخِّرون ذلك من أجل كساد السوق حتى يفضُل لهم فضل من الإرث! فهذا من الظلم للميت.
فيجب أن يُبادر بسداد دين الميت، ولا يجوز تأخير سداد الدين؛ لأن المال هو مال الميت، ولا يجوز أن يُحبس الحق عن صاحبه، والميت محتاج أن تُبرأ ذمته.
وقد اختلف العلماء في قوله عليه الصلاة والسلام: (نفس المؤمن معلقة بدينه)، فقال بعضهم: مرهونة: بمعنى: محبوسة؛ لأن الرّهن في أصل اللغة: الحبس، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38]، فهي فَعِيلة بمعنى: مفعولة، ورهينة بمعنى: مرهونة محبوسة.
وقال بعض العلماء في تفسير هذا الحديث إن معنى ذلك: أنه لا يُنعَّم حتى يُقضى عنه الدين، فيحبس عن النعيم حتى يُقضى عنه الدين، وإلا فما معنى (نفس المؤمن مرهونة)؛ لأن الحبس إما حبس عن النعيم، أو حبسٌ فيه عذاب، وإذا كان الحبس فيه عذاب فهذا الأمر أعظم، نسأل الله السلامة والعافية.
فالأمر جد خطير، فلا ينبغي التساهل في حقوق الموتى من قضاء ديونهم، وهذا يُحتِّم على كل شخص أن يتدارك الحقوق الواجبة عليه، فيحتاط، فإذا علم من ورثته من يوثق بدينه وأمانته أَسند إليه وبيّن له الحقوق وكتبها، وأوصل الحقوق إلى أهلها، وخاصة إذا كان هناك أمرٌ يحتاج إلى أمين وثقة يقوم عليه.