وأما الرجوع الفعلي فمثل أن يتصرف بالفعل، فبدلاً من أن يبيع بالقول يتصرف بالمعاطاة، فمثلاً يقول: يا محمد! هذا الكتاب وصية مني لك بعد موتي، ثم جاءه شخص بعد ذلك وقال له: يا فلان! بعني هذا الكتاب بهذه المائة، فأعطاه الكتاب مناولة وقبض المائة، فتصرفه ببيع المعاطاة يُوجب إلغاء الوصية.
وهكذا لو فعل فعلاً استنفَذ ما وَصَّى به، كأن يكون المُوصَى به طعاماً، ثم أكله أو أعطاه أولاده ليأكلوه، أو تصرف فيه بالفعل؛ فإن هذا الفعل يوجب إلغاء الوصية الأولى، واعتبار الفعل الثاني سواء كان وصية أو كان غير ذلك.
إذاً: بيّن المصنف رحمه الله أنه يجوز الرجوع، وقال: (يجوز)، فلا يجب ولا يحرم ولا يكره، فهذا الأمر إليك، فمتى ما رأيت المصلحة أن تُقدِّم في الوصية أو تؤخر فيها فإن ذلك راجع إليك، سواء وُجِد السبب للرجوع أو لم يوجد؛ فالإجماع قائم على أن من حقك أن تُغير في وصيتك، سواء وُجد سبب يقتضي هذا التغيير أو لم يوجد سبب.
لكن ينبغي لمن أراد أن يرجع عن وصيته أن يحتاط، فعندنا وصية منسوخة ووصية متأخرة ناسخة، فالوصية المنسوخة إذا كانت موثَّقة في القضاء، أو موثقة بحكم قاضٍ، أو موثقة بشهود، أو مكتوبة، فينبغي على من يرجع أن يحتاط في الرجوع فيشهد شاهدين عدلين، فيوثِّق هذا الرجوع كما وثَّق الوصية، وألا يعرِّض حقوق الورثة للضياع حينما لا يحتاط بتوثيق الرجوع، أو الدلالة عليه على وجه معتبر بحيث يُرجع إليه بعد وفاته.