الإيجاب والقبول من أركان الوصية

قال رحمه الله: [ويعتبر القبول بعد الموت وإن طال لا قبله].

الوصية لها أركان وهي: الموصي، والموصى إليه: وهو الوصي، والموصى به: وهو الشيء أو محل الوصية، والصيغة.

فهذه أربعة أركان للوصية: فالشخص الذي يوصي، والشخص الذي يوصى إليه، والمحل الذي يوصي به (الشيء الذي يوصي به) والصيغة.

والصيغة: هي الإيجاب والقبول، الإيجاب بالنسبة للميت الذي كان حياً حينما وصّى، ويشترط فيه شروط سيأتي إن شاء الله بيانها، والذي يُوصَى إليه أيضاً يُشترط فيه شروط لابد من توفرها، فلا بد من وجود الصيغة من هذا الشخص الذي وصّى.

إذاً: هي الإيجاب والقبول، الإيجاب من الموصي، والقبول من الوصي أو الموصَى إليه، وإذا وقع الإيجاب فإنه ينقسم إلى قسمين: الأول: أن يكون الإيجاب باللفظ.

الثاني: أن يكون بغير اللفظ.

فالإيجاب يكون صريحاً إذا كان باللفظ، مثل قوله: وصَّيت بعشرة آلاف لفلان، فهذا لفظ صريح، ويعتبر إيجاباً واضحاً في الدلالة ليس فيه أي احتمال.

والألفاظ الضمنية التي تدل على الوصية ضمناً ما جرى به العرف من الألفاظ المعروفة، كقوله: أعطوا فلاناً من ثلثي كذا وكذا، فنعتبرها وصية، رغم أنه ما قال: وصية مني، بل قال: أعطوا فلاناً، لكن (أَعطوا) تدل ضمناً على أنه يريد الوصية، فهذا هو اللفظ الصريح واللفظ غير الصريح.

وهناك أمور أخرى تدل على الوصية من الأفعال، مثل الكتابة، فلو كتب وصيته وأشهد عليها عدلين صحت الوصية، لو كان أخرس لا يتكلم لكن عنده إشارة مفهومة ومعروفة؛ فالإشارة في هذا تنزل منزلة العبارة، أو كان يسمع ولكنه لا يستطيع الكلام، فقيل له: هل تريد أن توصي؟ فأشار برأسه أن نعم، فقيل له: السنة ألا تزيد على الثلث، فهل تريد أن توصي بالثلث كله؟ فهز رأسه بنعم، أو قال: لا، فقيل له: الخمس مثلاً، فأشار بنعم، فهذه إشارات ليس فيها لفظ فتُعتبر من الصيغة الدالة على الوصية، فالإيجاب يكون من الوصي، والقبول يكون من الشخص الذي وصَّى إليه.

ومن حيث الأصل عند العلماء رحمهم الله لا بد من وجود الصيغة؛ لأنها ركن الوصية، وإذا وقعت الصيغة يكون الإيجاب فيها والقبول.

والعقود تنقسم إلى قسمين: هناك عقود يُشترط فيها أن يقع القبول بعد الإيجاب مباشرة، بحيث لو دخل بين الإيجاب والقبول أي فاصل مؤثِّر فإنه يسقط الإيجاب ولا يُعتد بذلك القبول، مثل: البيع، والإجارة، والصرف، والسلَم، والنكاح.

فلو قال شخص لشخص: زوّجتك بنتي فلانة بعشرة آلاف، فسكت ولم يُجب، ولم يفعل أي فعل دالٍ على القبول، ثم ذهب إلى الغرفة ورجع، وبعد أن افترقا قال: قبلت، فهذا الفاصل يقطع الإيجاب الأول، ولا يصح العقد بهذا، فلابد من إيجاب جديد؛ لأن القبول وقع متراخياً مع وجود فاصل مؤثِّر، والفاصل يكون بالأقوال ويكون بالأفعال.

ولو قال له: بعتك سيارتي بعشرة آلاف، فقال له: كيف حالك؟ عساك طيب، فتكلم بكلام أجنبي، فهذا الكلام الأجنبي يُخرج الإيجاب؛ لأنه لو كان قابلاً لقال مباشرة: قبلت، فلما قال: كيف حالك؟ كيف فلان؟ كيف الوالد؟ كيف مريضك؟ فمعناه: أنه خرج بالكلية، وأعرض عن الإيجاب، فسقط الإيجاب ولم يُعتبر.

إذاً: العقود تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: عقود لابد فيها من وجود القبول مترتباً على الإيجاب بدون فاصل.

القسم الثاني: عقود يُغتفر فيها الفاصل.

ومن العقود التي يُغتفر فيها الفاصل: عقد الوصية، فإذا قال: أعطوا فلاناً عشرة آلاف ريال -من ثلث ماله- فهذه وصية، وفلان مسافر، وتوفِي الرجل، ولم يأت إلا بعد عشر سنوات، فقيل له: يا فلان! إن فلاناً قد وصّى لك بعشرة آلاف من ثلثه، فقال: قبلت، فهنا صحَّت الوصية ونفذت، مع أن القبول كان بعد فاصل طويل جداً، فلو طال الزمان فإنه يصح القبول.

إذاً: القبول في الوصية لا يُشترط فيه أن يكون تابعاً للإيجاب، وهو ما يسمى بالقبول المنجَّز، فالوصية تخرج من القبول المنجَّز، لكن النكاح والبيع والإجارة والصرف والسلم ونحوها من العقود لابد أن يكون القبول فيها منجَّزاً.

وقوله: (ويعتبر القبول بعد الموت) القبول إما أن يقع في حياة الموصي، وإما أن يقع بعد موته، فإذا وقع في حياته فلا عبرة به؛ لأن الوصية لا تكون لازمة على الميت ويجب تنفيذها إلا بعد وفاته، أما قبل وفاته فإنه يستطيع أن يرجع عنها أو أن يبدل أو يغير فيها، وعلى هذا فإن العبرة بموت الموصِي، فالقبول لا بد أن يكون بعد الوفاة، فإذا قال: قبلت، وكان ذلك بعد وفاته؛ صحت الوصية إذا كانت على الوجه المعتبر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015